|

من جملة قصيرة إلى دور رئيسي لأعمال المخرج داوود عبد السيد 

الكاتب : الحدث 2022-01-19 10:55:30

ساقت الصدف بعض النجوم في بداياتهم إلى طريق النجومية من خلال جمل قصيرة أو حوارات بسيطة إلى بزوغ نجم هذا الفنان وتقبل الجمهور لوقوفه على المسرح أو ظهوره في السينما لأول مره مما أتاح له الفرصة مرة أخرى إلى الظهور والتدرج في الأدوار ومن ثم الى البطولة ؛ كما أن بعض الفنانين ظهروا في أدوار ثانوية في الأفلام المصرية وكان هذا الدور الأكثر تأثيرًا من دور البطولة في نفس الفلم ؛ وهذا يدل على ذكاء الممثل في توظيف أدواته وصناعة الشخصية المثالية بتركيبة خالية من البهرجة أو التصنع المفرط الذي يخرج الشخصية من سياق الواقعية إلى سياق الآداء المسرحي في السينما أو الاداء البارد أو الجامد على خشبة المسرح كون المسرح يحتاج إلى الأداة الجسمانية أكثر من الشاشة المستطيلة ، وفي الشاشات المستطيلة أيضًا هناك من تفوق على البطل وارتبط بواقع المشاهدين ، هذا ان صح لي التوضيح قبل البت في بعض الشخصيات .

سنذكر لكم بعض الفنانين الذين ظهروا في أدوار ثانوية ولكن كانت مميزة جدا ومنها :
   الهرم ( الكيت كات ) الفلم من بطولة محمود عبدالعزيز ، وأمينة رزق ، وشريف منير، وعايده رياض ، ونجاح الموجي ،وعلي حسنين قصة الفلم من وحي رواية مالك الحزين للروائي إبراهيم اصلان ومن إخراج وتأليف داوود عبد السيد انتج عام ١٩٩١ م ، ومما لا شك فيه أن هذا الفلم من الروائع المصرية التي لا تتناقش في قضية رأي عام ولا تحمل فلسفة عميقة ولا تتناول حدثًا أو قضية هامة وعلى الرغم من ذلك فإن شخصية الشيخ حسني (محمود عبدالعزيز) كانت الشخصية الأبرز في الفلم التي تتمتع بخفة الظل وتعتبر شخصية فلكلورية وتعدت السينما ذاتها في أبعاد الشخصية وتركيب الافيهات والجمل الكوميدية لكوميديا الموقف هذا من جانب البطل ، أما من الجانب الآخر شخصية الهرم ( نجاح الموجي ) الدور الثانوي الممتع والمتطور في الشخصية الماكرة الخبيثة والاستغلالية وتاجر المخدرات الذي يمتلك عبقرية الحوارات وتشكل الشخصية حسب الموقف في دهاء مبطن على الرغم من عدم واقعية الحوار الا أن جمله أصبحت متداولة في ذلك الوقت ودارجة لتأثر المشاهدين بشخصيته العبقرية ويمتلك نجاح الموجي قبول وخفة ظل وجاذبية تميزه عن غيره مما يجعل المشاهد لا يمكنه أن يكره شخصيته في كل فلم ، رغم أن شخصية الهرم بكل نقائصها واختلاقه لحوارات اسطورية تخالف الواقع مثل مشهد لواء الشرطة حينما قال له : ( انت ياد بتتاجر في المخدرات صح ؟ والا هـ تنكر ؟ فقال الهرم : ( صح … بس هـ نكر )ومع أن الحوار غير حقيقي في الواقع الا أننا كنا مستمتعون ومصدقين وضحكنا من رده وهنا يبرز دور المخرج داوود عبد السيد في رسم تفاصيل الشخصية وبراعة نجاح الموجي في أداء الشخصية بإتقان مما جعل المنافسة قوية في تأثير الشخصية بين الشيخ حسني والهرم .

المعلم هدهد في ارض الخوف (حمدي غيث)
أبدع المخرج داوود عبد السيد أيضا في صناعة الشخصيات وتميزها واختياره المتقن للممثلين وتناسب أدوارهم مع الشخصيات  المختارة ، كما أني سأذكر أيضا شخصية مثيرة للتساؤلات المعلم هد هد الذي كسر نمطية شخصية تاجر المخدرات المعهودة  كشخصية شريرة وقاسية ولا يهمه غير المال وتلبية الرغبات الحيوانية ،الا أن القاعدة هنا تغيرت لدى المخرج العبقري ( وهنا ننوه على عبقرية إدارة الممثل وخلق الشخصية المناسبة في ادائه وإظهار مواهب غير معروفة عند الممثل وهنا ايضا يظهر لنا قوة الممثل في التنوع في الشخصيات ) فأظهر لنا تاجر المخدرات بخلاف المتعارف عليه والمتوقع في الأعمال الأخرى فكون المخرج والكاتب شخصيته بالرجل الفيلسوف والحكيم وألبسه لباس الدين ويملك من المبادئ والقيم وكأنه شخص ذو مكانة علمية أو اجتماعية بعكس طبيعة عمله كتاجر مخدرات ويظهر هذا جليًا في الحوارات الفلسفية في الفلم وطريقة سياقة الجٌمل الغريبة والغير معتاد سماعها في الأفلام ومن أشهرها حينما أمسك رجال هد هد الجاسوس الذي زرعته الداخلية بين رجاله ويقول هدهد جملته الفلسفية : ( قتل النفس أصعب شيء ،لكن أوقات لازم نقتل، ربنا جعل لنا واجبات وأحمال لازم نشيلها ، ومنها إننا أحيانا لازم نقتل ، أنا مؤمن بأن من قتل يقتل وعارف اني هموت مقتول ، بس دا تمن لازم تدفعه) في عمق الفلسفة للشخصية والجمل مع الاداء يتسنى لك التوقف قليلًا والتفكر في ذكاء صانع الشخصية وعبقرية المخرج ومرونة أدوات الممثل وقبول تنوعه في لعب الأدوار الصعبة ونشير هنا إلى شخصية الفنان أحمد زكي في الفلم وكانت ندا لشخصية حمدي غيث بل وتفوق على البطل في اغلب الأوقات . 

منها نستخلص ان في وقتنا الحالي مع ضجيج الأعمال التلفزيونية والسينمائية وتشعب الدراما العربية وظهور وجوه جديدة باردة ولا تمتلك حس فني ولا أداء عالي ولا يظهر فيها ادارة الممثل وتكوين الشخصية على مدار اعمال يتكرر فيها نفس الوجه بلا أي تغيير ، ولا يلعب الممثل ادوار مختلفة وكأننا نرى نفس الشخصية ولكن بملابس مختلفة ومكياج مختلف !! ولا يرغب المنتج ان يبذل أي مجهود في تطوير تلك الوجوه الجديدة وتعليمها أساسيات التمثيل والنطق ومخارج الحروف واللهجة البيضاء والحركة والانفعالات والتناغم مع الممثلين في الحوارات وواقعيتها وأشياء أخرى يجب ان تتوفر في الممثل لكي يقنع المشاهد ويظهر لنا أنه يملك الحس الفني والأداء الحقيقي بخلاف ما نراه اليوم على المنصات ودور السينما العربية الحالية ، الوقع الدرامي والأداء المتقن والشخصية المدروسة تضمن للممثل حصوله على الجوائز أو الترشيح لها وأيضا إعجاب المشاهد بحجم الإتقان والواقعية الغير منمقة مما يحول دون بقاء العمل في إيقاع منتظم . 

أتمنى ممن قرأ هذا المقال أن يستمتع بمشاهدة هذه الأفلام لتصله الفكرة .
مشاهدة ممتعة 

 

عارف البحراني