|

أبو مرداع.. حين يخلّد الإنسان أثره بعد الرحيل

الكاتب : الحدث 2025-12-14 01:33:52

بقلم ــ محمد العتيق 


تصدَّر خبر وفاة الأخ أبو مرداع – رحمه الله تعالى – المشهد الإعلامي في الساحة السعودية والخليجية خلال الأيام الماضية، وتحول من خبر حزين إلى حالة إنسانية صادقة كشفت بوضوح حجم الأثر الذي يتركه الإنسان الطيب في قلوب الناس بعد رحيله. لم يكن التفاعل الذي رافق الخبر عابرًا أو اعتياديًا، بل جاء واسعًا ومؤثرًا، حتى بدا وكأن الجميع فقد أخًا أو صديقًا قريبًا.

أبو مرداع، كما عرفه الناس، لم يكن صاحب منصب أو حضور إعلامي متكلف، بل كان إنسانًا بسيطًا، مرحًا، نقي القلب، أبيض السريرة، يحمل للناس محبة صادقة، ويقابلهم بابتسامة صافية وتعامل كريم. ولهذا لم يختلف اثنان على محبته، فجاء هذا التفاعل الكبير انعكاسًا طبيعيًا لما زرعه في حياته من حسن خلق، وصدق معاملة، وأثر طيب.

ومن أبلغ الشواهد على ذلك، ما حدث عند فتح باب التبرع لبناء جامع يحمل اسمه؛ إذ لم تمضِ سبع عشرة ساعة حتى اكتمل المبلغ المطلوب، وتجاوز ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف ريال أو أكثر، في مشهد نادر يؤكد أن هذا الرجل كان محبوبًا، وأن له – بإذن الله – خبيئة صالحة عند الله لا يعلمها إلا هو. كما تجلّت معاني التسخير الرباني حين سُدِّد دينه سريعًا على يد كريم ابن كريم، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد – حفظه الله – في موقف يجسد معاني التكافل، ويؤكد أن الله إذا أحب عبدًا سخر له قلوب عباده.
هذه المواقف المتتابعة لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها من دلائل حسن الخاتمة، فالقيمة الحقيقية للحياة ليست في طولها، بل في أثرها. أن يرحل الإنسان، فتجتمع القلوب للدعاء له، ويُذكر بالخير، ويُوفى عنه دينه، ويُبنى له مسجد يحمل اسمه، فذلك هو الرصيد الحقيقي الذي يبقى. وعلى النقيض، كم من أناس رحلوا في صمت، لم يُعرف خبر وفاتهم إلا في نطاق ضيق، وربما لم يجدوا من يدعو لهم إلا القليل، لأن تعاملهم مع الناس في حياتهم لم يكن طيبًا، ولم يتركوا أثرًا يُذكر.

ومما يزيد من ألم هذا الرحيل، ونسأل الله أن يربط على قلب الأخ أبي حصة، أنه كان متأثرًا بوفاة الأخ أبي مرداع لسببين واضحين؛ أولهما ما كان بينهما من رفقة وصداقة ومواقف مشتركة، جمعتهما أيام طويلة وعلاقة أخوية صادقة، وثانيهما أن الحادث وقع وهو برفقة الأخ أبي حصة. غير أن القضاء مقدر، والأجل محتوم، ولكل أجل كتاب، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وفي ختام هذا المصاب الجلل، نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الأخ أبا مرداع بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يعوضه عن شبابه في جنات النعيم، وأن يشفي المصابين، وأن يربط على قلوب أهله ومحبيه وزملائه جميعًا.
إنا لله وإنا إليه راجعون.