|

الغروب ليس النهاية

الكاتب : الحدث 2025-12-26 05:12:54

بقلم - عبدالله عسيري

حين يهبط الغروب على الأفق لا يكون مجرد انتقالٍ للضوء إلى العتمة بل لحظة تأمل عميقة تتقاطع فيها الذاكرة مع الرجاء. هو وقتٌ لا يشبه غيره يحمل في ألوانه حكايات الأمس، ويهمس في سكونه بوعود الغد.

في الغروب يسكن الماضي وتتسلل الذكريات كما تتسلل خيوط الشمس الأخيرة بين الغيوم دافئة حيناً، ومؤلمة أحيانًا. نرى فيه وجوهاً غابت، وأحلاماً وُلدت ثم تلاشت، وخطوات ظنناها نهاية الطريق فإذا بها كانت بداية لتجربة أخرى. الماضي في الغروب ليس عبئاً، بل درسًا هادئًا يذكّرنا بما كنا عليه وبما صنعنا، وبما تعلّمناه من الانكسار قبل الفرح.

أما المستقبل فيولد من رحم هذا الهدوء. فكما لا يعني الغروب نهاية الشمس لا تعني نهاياتنا انطفاء الأمل. خلف هذا الأفق الملوّن تستعد سماء أخرى للفجر وتتهيأ حياة جديدة لتكتب فصلها القادم. المستقبل في الغروب وعد صامت يقول لنا إن كل نهاية تحمل بذرة بداية ، وأن الظلام المؤقت ما هو إلا استراحة للنور.

الغروب يعلّمنا التوازن، وأن نودّع دون إنكار وأن نتطلع دون خوف. يعلّمنا أن نمسك بخيوط الماضي بحكمة لا لنسكنها، بل لنفهمها وأن نفتح نوافذنا للمستقبل بثقة لا باندفاع. هو درس في الرضا وفي الإيمان بأن الزمن مهما تغيّر يحمل لنا دائمًا ما نستحقه.

وهكذا يبقى الغروب لحظة صادقة بين ما كان وما سيكون، يقف فيها القلب شاهداً على رحلة الإنسان من ذاكرة تشكّلنا إلى أملٍ يقودنا، وبينهما يقينٌ بأن الحياة مثل الشمس، لا تغيب عبثًا بل لتشرق من جديد.