|

" اصنع مجدك ؛ بالأثر لا بالظهور "

الكاتب : الحدث 2025-12-29 09:53:04

🖊️ جبران بن عمر

في عالم اليوم، يلهث الكثيرون وراء الأضواء والظهور السريع، يبحثون عن لحظة من الاهتمام تُشبِع غرورهم وتمنحهم شعورًا زائفًا بالعظمة ، لكن الحقيقة الصارخة أن الشهرة العابرة ما هي إلا وهج لحظي، يذوب مع أول نسيان، ويترك القلب خاويًا والروح بلا أثر..

المجد الحقيقي، والأثر الذي يخلّد الإنسان، ليس في ما يراه الناس الآن، بل فيما يتركه بعد رحيله ، كل كلمة طيبة، كل مساعدة خفية، كل عمل نافع تُقدمه بصمت، يزرع جذورًا تمتد عبر الزمان، وتصبح إرثًا حقيقيًا لا يعرف النسيان..

حين يكرهك البعض، أو يحسدك آخرون، تذكّر أن نجاحك وأخلاقك وأعمالك الطيبة تشكل مجدك الحقيقي ، الكراهية لا تمحو الأثر، ولا يقلّل من قيمتك من يرفض أن يرى الخير فيك ، بالعكس ؛ كل معركة صامتة تخوضها ضد النفوس الحاسدة تصقل شخصيتك، وتترك لك إرثًا لا يمسّه الزوال..

كم من شخص لم يعرفه الناس، لكنه غيّر حياة من حوله؟ وكم من مشهور ملأ الدنيا ضجيجًا، ثم اختفى كأنه لم يكن؟ الفارق أن الأول ترك أثرًا، والثاني ترك صدى .. والصدى يزول..

إن ترك الأثر الطيب ليس طريقًا سهلًا، لأنه يتطلب صبرًا لا يراه الناس، وأخلاقًا لا تُنشر، وعملًا لا يُسوّق ، يتطلب أن تختار الصواب حين يكون الخطأ أكثر ربحًا، وأن تلتزم بالقيمة حين تكون الشهرة أقرب وأسرع ، وهذا هو الامتحان الحقيقي..

سيكرهك بعضهم لا لذنب اقترفته، بل لأنك لم تشبههم ، لأنك لم تساوم، ولم تركض خلف الضوء، ولم تفرغ روحك لأجل إعجاب عابر ، سيحاربونك، يشككون في نواياك، يقللون من شأنك، لكنهم في قرارة أنفسهم يعرفون: الأثر لا يُحارب إلا لأنه موجع..

اصنع مجدك بصمت ، دع أعمالك تتكلم نيابة عنك. لا تبحث عن أن تُرى، بل عن أن تُحترم. فالتاريخ لا يحفظ الصور، بل يحفظ المواقف ، ولا يخلّد الأسماء، بل يخلّد الأفعال..

وحين يأتي يوم الرحيل، لن يُسأل أحد عن عدد متابعيك، ولا عن حجم حضورك، بل عن الأثر الذي تركته في القلوب، وعن الخير الذي مضى من يديك إلى غيرك ، هناك فقط، يُعرف من كان عظيمًا حقًا..

في نهاية المطاف، كل إنسان يُقاس بما تركه للآخرين، لا بما حققه لنفسه في اللحظة ، فاجعل هدفك أن تكون من أولئك الذين يُذكرون بالخير، ويُحتذى بهم، ويظل أثرهم حيًا في القلوب قبل أن يُقرأ في الكتب..

كونك صامتًا لا يعني أنك غير موجود، بل يعني أنك أقوى من ضجيج العالم، وأعمق من صخب السطحيات ، كُن أثرًا لا يُمحى .. فهذهِ هي العظمة الحقيقية .