|

اللغة العربية في السعودية : هوية وطنية … ورسالة عالمية

الكاتب : الحدث 2025-12-21 09:58:38

بقلم: حسن المباركي
——————

ليست اللغة العربية في هذه البلاد مجرد أداة تواصل، بل هي روحُ الهوية، ولسانُ العقيدة، وجذرُ الانتماء الذي تشكّلت عليه هذه الأرض منذ فجر تاريخها. 
فهي لغة الوحي، ومرآة الحضارة، وسِمةُ السيادة الثقافية التي حفظت للأمة شخصيتها، وميّزت من بين الأمم حضورها. ومن هنا جاءت مكانة اللغة العربية في المملكة العربية السعودية امتدادًا طبيعيًا لعقيدتها، وتجسيدًا واعيًا لهويتها، ورسالةً حضارية تتخطى الحدود المكانية لتصل إلى آفاق الحضارة الإنسانية.
    
    إن المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض.
حيث تنص المادة الأولى من نظام الحكم على أن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية يحكمها كتاب الله وسنة رسوله، متمسكة بهويتها الدينية والوطنية، محافظة على وحدتها وسيادتها. ومن هذا الانتماء العميق للهوية، تتجلى أهمية اللغة العربية، التي لم تكن في هذه البلاد مجرد وسيلة للتواصل، بل هي لسان الدين، وصوت الدولة، وعنوان الحضارة، وهوية ترتبط بالسيادة الوطنية وتاريخ الأمة. 

   لقد انطلقت عناية المملكة بالعربية منذ التأسيس، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الخطاب الرسمي، ومكوّنًا أساسيًا في بناء الشخصية الوطنية، ومصدر اعتزاز لكل مواطن، ولم تغب اللغة العربية عن خطاب ملوك المملكة، فقد جعلها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – لغة الدولة والإدارة، إيمانًا بأنها الرابط الأعمق بين العقيدة والوطن والإنسان، ثم سار أبناؤه الملوك من بعده على هذا النهج، فتعزّز حضور العربية في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – من خلال التوسّع في التعليم وترسيخها لغةً للتعلّم وبناء الإنسان، ثم جاءت رؤية الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – لتمنح العربية بُعدًا حضاريًا وثقافيًا عميقًا، فجعلها لسان الأمة، ورمز استقلالها الفكري، وحاضرةً في خطابه العربي والإسلامي والدولي، واستمر الاهتمام بها في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز – رحمه الله – دعمًا للأصالة وترسيخًا للقيم الوطنية، بينما نظر إليها الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – بوصفها جزءًا من خدمة الإسلام، وفي عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز – رحمه الله – عُدَّت العناية باللغة العربية جزءًا من المسؤولية الثقافية في عالم متغيّر، يجمع بين الحفاظ على الهوية والانفتاح المعرفي.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – اتخذ الاهتمام باللغة العربية طابعًا مؤسسيًا واضحًا، تجلّى في اعتزازه الصريح بالعربية بوصفها لغة القرآن الكريم ووعاء الهوية الوطنية، وبرز ذلك اهتمامه-حفظه الله- بدعمه العملي لمكانة اللغة العربية والمحافظة على مكانتها والاعتزاز بهويتها، من خلال إنشائه مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ورعاية المبادرات اللغوية، وتمكين العربية في التعليم والإعلام والفضاء الرقمي، تأكيدًا لقدرتها على مواكبة العصر، مع الحفاظ على أصالتها وعمقها الحضاري.

ومن هذا المنطلق، فإن يوم اللغة العربية لا يُقرأ بوصفه يومًا عربيًا محضًا، بل هو يوم عالمي أقرّته الأمم المتحدة؛ اعترافًا بمكانة العربية بين لغات العالم، ودورها في تشكيل الفكر الإنساني، ونقل العلوم، وبناء الجسور بين الحضارات.

 فقد تجاوزت العربية حدودها المكانية منذ قرون، وكانت لغة علم، وفلسفة، وطب، وفلك، حملت المعارف وأسهمت في نهضة الإنسانية، وما تزال حاضرة في الجامعات العالمية، ومراكز البحث، والمؤسسات الثقافية الدولية. 

وحين يحتفي العالم باللغة العربية، فإن هذا الاحتفاء يؤكد على مكانتها بأنها لغةٌ ذات حضور إنساني واسع، وقابليةٍ للتعلّم، وقدرةٍ على التفاعل مع تحولات العصر، دون أن تفقد أصالتها وثراءَها الحضاري.

ويأتي التعليم بوصفه الركيزة الأهم في ترسيخ هذا الوعي وتحويله إلى ممارسة حيّة، إذ لم يعد تعليم اللغة العربية قائمًا على التلقين وحده، بل اتجه نحو توظيف التقنيات الحديثة، والمنصات الرقمية، والوسائط التفاعلية التي تجعل المتعلم شريكًا في اكتشاف اللغة وممارستها، والإبداع بها. فَرَبْطُ العربية بالمهارات، وبسياقاتها المعاصرة في الإعلام والمعرفة والتواصل، هو ما يمنحها القدرة على الاستمرار، ويجعلها لغة حياة، لا مادة دراسية مؤقتة.

    وفي يوم اللغة العربية، لا نحتفي بلغةٍ فحسب، بل نؤكد معنى الانتماء، ونجدّد العهد لهويةٍ صاغها الوحي، وحملتها الدولة، وحمتها السيادة. فالعربية في المملكة ليست تراثًا يُحفظ، ولا لفظًا يُردَّد، بل روحُ أمةٍ نابضة، ولسانُ وعيها، ووجهُها الحضاري في العالم. وبقدر ما تُصان علمًا وتعليمًا وممارسة، فإنها ستبقى قادرةً على أن تشهد حاضر الوطن، وتمتد إلى مستقبله، ثابتةَ الجذور، رحبةَ الأفق، واضحة الرسالة في مسيرة الحضارة.