رثاء في والد الفريق محمد البسامي ..
د. طلال الحربي
أَبٌ زرع فأَثمر أَمنًا وإخلاصًا ..
ففي سكون اللحظات التي تسبق الفجر ، حيث تتعانق ذكرى الراحلين مع صلاة الصادقين، يقف القلب وقفة إجلال أمام رجلٍ لم يُشهِرْه الإعلام، لكنّه شُهِدَ له في قلوب أبنائه وفي صفحات الوطن. رجلٌ كان حديقةً غنّاء زرع فيها القيم، فأنبتت شجرًا باسقًا يحمل اسم الشيخ عبدالله البسامي، والد معالي الفريق محمد عبدالله البسامي، مدير الأمن العام في المملكة العربية السعودية.
لقد رحل الجسد، لكنّ السيرة بقيت نبراسًا. رحل الأب، لكنّ الأبَوة الخالدة في التربية الصالحة ما زالت تُثمر في حياة رجلٍ يحمل اليوم مسؤولية الأمن العام في بلد الأمن والأمان. فمن تربى في كنف أبٍ مؤمن، ملتزم، حريص على غرس مبادئ الصلاح والإخلاص، لا بدّ أن يكون رجلاً من رجال الوطن الذين يتحملون الأمانة ويؤدونها بإتقان.
أيها الأب الرحيم: لقد كنتَ المدرسة الأولى التي تخرّج فيها أبنائك. كنتَ تُعلّم بالقدوة قبل الكلمة، وبالعمل قبل القول. فجاء أبنائك – حفظهم الله – صورةً حيةً من أخلاقك، وامتدادًا طيبًا لروحك. لقد ربّيتهم على الصلاح، فنشأ نباتًا حسنًا ، كما يتمنى كل أبٍ لابنه. ربّيتهم على حب الوطن، فكانوا مخلصين أمينين له. ربّيتهم على التضحية، فكان جنودًا مخلصين في سبيل أمن هذا الوطن وسلامته.
وها هو اليوم، معالي الفريق محمد البسامي، يقود مسيرة الأمن العام في المملكة بثقة القيادة الحكيمة، وبتوفيق من الله، ثمّ بذلك الأساس المتين الذي وضعته أنت في أعماقه. إنّ نيله ثقة ولاة الأمر لتسلمه هذه المسؤولية الجليلة ليس إلا شهادة على صَلاح الأصل، واستقامة المنهج، وصدق التربية.
رحِمك الله يا شيخ عبدالله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته. لقد متّ جسدًا ، لكنّ روحك ما زالت حيّة في إخلاص ابنك، وفي خدمته للوطن، وفي أمن يستشعره كل مقيم على هذه الأرض الطيبة. لقد خلق الله من الإنسان شعوبا وقبائل ، لكنّه يخلق من التربية الصالحة رجالاً يُبنى بهم مجد الأمم.
إنّ الفقيد الغالي لم يذهب بلا أثر. بل سيخلّف وراءه إرثاً من القيم، وسيمتد أثره في أبنائه وأحفاده، وفي كل من عرفه أو سمع بسيرته. وستبقى ذكراه عطرة في قلب الوطن الذي وهب له أغلى ما يملك: رجالاً أمناء.
اللهم اجعل ما تركه الشيخ عبدالله في ذريته صدقة جارية، وعملاً صالحًا يرفع درجاته في عليين. اللهم احفظ ابنائه ، ووفقهم لكل خير، وأيدهم بتأييدك، واجعلهم ذخرًا للأمة والوطن.
إنّ الدمع ليجرِي على فراقك يا أبا محمد، لكنّ القلب ليَطمئنُّ حين يرى ثمرة جهادك في تربية أبنائك. فسلامٌ عليك يوم ولدتَ، ويوم ربيت رجالاً، ويوم توفاك الله، ويوم تبعث حيًا .
رحمك الله أيها الأب الكريم، وطيب الله ثراك، وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان.
ونقف إجلالاً لرجلٍ صنع من التربية سلمًا لمجد الوطن.