|

” كفى تنمراً “

2020-02-27 05:59:16

” إياك والسخرية من الناس، أو الهزء بالبؤساء, فأنت تجهل الدور الذي تعده لك الأقدار غداً ” ..

نجيب محفوظ

لا يعد التنمر جديداً على المجتمعات , وأن كان المسمى جديداً على الأذهان لوصفه سلوكاً او حدثٌ ما , فهو موجود بوجود البشرية , وقد نجد من الأدبيات القديمة شواهد عديده من روايات وامثال و قصائد بل حتى شعراء نتداول القابهم التي قيلت فيهم ” لعيبٍ خلقي أو موقفاً ساخر” اصبحوا يُنادون به حتى وان كرهوه , دون أن نعرف اسمائهم الحقيقية فعلاً .

التنمر لا ينتمي لطائفه أو فئة معينه دون غيرها , ولم ينشأ بلغة خاصه حتى يصعب علينا ادراك معناه , ولكنه سلوكٌ قد يصل للعدوانيه , يمارسه الاقوى – في الغالب – على من هم أضعف منه بصرف النظر عن الانتماءات .

تنمراً كان أم استئساداً كما اسماه البعض فالضرر على الضحية واحد , قد يندرج تحت مسمياتٍ كُثر كالمزاح والسخرية والاستهزاء , ولكنه يُصبح أشدُّ قسوة حينما يبلغُ سوءُ تأثيره على المتنَمر عليه ويُكرهه على إنهاء حياته ..

عرفته منظمة الصحة العالمية كما جاء بموقعها الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بأنه : “أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر لإزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة “.

وهو شكلٌ متعدد الوجوه من أشكال سوء المعاملة، في المدارس وأماكن العمل، ويتصف بالتعرض المتكرر لشخصٍ ما للعدوان البدني أو الانفعالي بما فيه المضايقة والاستهزاء والتهكم والتهديد والتحرش والإهانة والسخرية والاستبعاد الاجتماعي والإشاعات.

نرىَ ونسمعُ عن الكثير من هذه السلوكيات بين الأطفال وفي بيئتهم المدرسية تحديداً , يمارسه طفلٌ غُذيَّ بالتعالي على طفلٍ صامت او يُعاني من اعاقةٍ ما تحرمه من الدفاع عن نفسه , لذلكَ يجد في نفسه النفوذ والاستعلاء وتكرار التنمر عليه لثقته بانعدام المنافس .

وقد يمارسه طفلٌ لم يفطم إلا على العنف , فيُفرغُ كل ما تلقاه من  تربيةٍ قاسيه على من هم اضعف منه , لأنه بذلك يُكرر المشهد الذي يراه كل يوم , ويتقمص من خلاله دور القوة , تلكَ التي كسرت معنى اللُطف ولين الجانب مع من سيتعامل معهم.

وقد يكون للألعاب الإلكترونية ذات الطابع العنيف دوراً في خلق سلوكاً عدوانياً لديهم , وكما هو متعارف عليه ان الطفل يُحاكي ويُقلد ما يُثير اعجابه ويستحوذ على ذائقته , مما يجعله يتقمص تلكَ الشخصية المؤثرة على اقرانه ومع من هم حوله .

فَـ للوالدين هنا الدور الأهم في تعليمهم احترام الاختلاف اولاً , وتهذيب السلوك ثانياً بغرس القيم والقناعات السويه في تعاملهم مع الغير , فكلُّ اختلافٍ وضعف لا يعني انهم اقل شأناً منه .

وللمدرسة ايضاً دوراً فاعلاً عن طريق برامج التوعية بما يتناسب مع مستواهم التعليمي , ومن خلال بعض الأنشطة اللاصفيه , كَـإقامة مسابقات وفعاليات والعاب تعتمد على التعاون لتُذيب الفوارق بطريقة غير مباشره , مع وضع قوانين تحد من تكرار ذلكَ السلوك الغير مقبول , وذلكَ بتطبيق ما ورد بلائحة السلوك وما فيها من تدرج العقاب الذي قد يصل للفصل أو الحرمان لمدة معينة او الحرمان من بعض الأنشطه .

وأن كان هذا النوع من التنمر لأطفالٍ صِغار , وقابلاً للإصلاح والتقويم رغم ما سيتركه من اثرٍ سيء , فَماذا عن ما سواهم ؟ّ

يهبكَ الله القوة والتمكين لا لتُقيّمَ الناس , وتتندرُ على ملامحهم وهيئتهم وحتى طريقة نطقهم وكأنكَ خُلقت لتُقيم الخلق .!

كم من نفوسٍ انعزلت واتخذت البُعد والانطِواء بسبب كلمةٍ طائشة قيلت استخفافاً وبقيت ألماً , وكم من متعففٍ كسرهُ تباهيكَ عمداً بما تملك , فهوَ حُطامٌ لو تعلم لأنَّ ” أن اكرمكم عند الله اتقاكم ” لم – ولن – يكن اغناكم .

التنمر اللفظي احدىَ اقسى اشكال التنمر بل والأكثر شيوعاً , فالبعض يمتلكُ لساناً سليط وكلمات ضاريه , يظلُّ متتبعاً لعيوب الاخرين وينتقدها بطريقةٍ سيئه لا بغرض الإصلاح بقدر ما هو استنقاصاً واستخفاف, لأنها تخلو في الغالب من كلمات التحفيز وتطوير نقاط ضعف او اصلاح عيب , فهناكَ بلا شك نقدٌ بناء وفرقٌ واضح بين الصراحة و الوقاحه .

والبعض الاخر لا يتوانى في اطلاق الالقاب والكُنى , دون ادراك للأثر الذي سيتركه فيما بعد , والتي توغلُ الحقد احياناً وتولد الكراهيه , حتى وأن قيّلت من باب المزاح فقد تكون مؤذيه ومحرجةٌ , حينما تُصبح متداوله بل وصمة يُنادى ويُعرف بها , فالنفوس وأن تقبلتها ذات مره فهي لن تبقى متقبلةً طيلة الوقت .

ان من التنمر ما يُفقد الثقةُ بالنفس ويُضيّق في اعيُنهم سعة الحياة , ومنه ما افقد احدهم مصدر رزقه , و منه ما اوغلَ مزيداً من الأسى في قلب معاق.

ولا ينحصر التنمر في الكلمات فقط , فالنظرات المستنكره والمتفحصه والتي تُعطي رسائل سلبيه كالاستحقار أو الاستهجان كفيلة بقول الكثير والمؤلم ايضاً .

حقاً تبادر لذهني كم من الكُنى المتوارثه , التي حملناها خلف اسمائنا عن اجدادنا رحمهم الله , والتي تحمل في معناها شيئاً من ذلك , ليست جميعها بالطبع ولكن لا ننكر وجودها بكثره , لأن الغالبيه كانوا يتبادلون الكُنى لتمييز بعضهم البعض امّا لطبيعة المهنه او عيبا خُلقي كان به او موقفاً عُرفَ عنه.

و اعرفُ فعلاً الكثير من الأشخاص الذين يخفونه لتعرضهم الدائم لتعليقاتٍ ساخرة , لأن متنمرون سابقون شابههم لاحقون .  

.

.

” للبعض – الغالب – قلموا حديثكم , فَـ للكلمات مخالبْ “