|

لا يصنع المجد إلّا أهله .

الكاتب : الحدث 2021-11-08 02:46:31

بقلم : عثمان الأهدل ..

إنَّ من أسوأ مظاهر التحضر المادي في عالمنا العربي والإسلامي هو التقليد الأعمى للغرب دون أي اعتبارات، وازدادت هذه الظاهرة أكثر جُرأة في العقود الثلاث الأخيرة التي أصبحت الأرض فيها قرية صغيرة بسبب تطور الإتصالات وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، والذي بدوره ادلج المجتمعات ودفعها تدريجيًا إلى التخلي عن مورثها الأخلاقي ولا سيما الشباب منهم، حتى أصبح ادراج كلمات أعجمية بين ثنايا الحديث كأنه شيئًا من أنواع التطور والتحضر، بل أنه وصل إلى تقليد ملابسهم الماجنة التي تخدش الحياء وبالأخص النساء الّلاتي بالكاد تغطي أجسادهن، مواكبةً مع آخر صيحات موضات التعري الذي ينتهجه الغرب، ناهيك عن قصات الشعر الغريبة والمحرمة، حتى غدا الحال على عدم القدرة في التميز بين الرجال والنساء، تشابهت فيه الوجوه. 

إذن فلِمَ هذا التهافت والانسلاخ عن ثقافتنا؟ 

نجد الإجابة في كلام ابن خلدون القائل فيه :"المغلوب مُولع بالاقتداء بشعار الغالب، وزيّه ونِحلته وسائر أحواله وعوائده"- 
إذّ أن النفس تعتقد الكمال في من غلبها، فيغلب في الشخص الأثر إلى فقدان الثقة في ذاته. وفي غالب الظن يبحث عن البديل ليسد ذلك الفقدان باتباعه لشخصيات، قد يكون صديقًا أو شخصيًة لها من المكانة المرموقة من وجهة نظره. أو قد تكون ذات نفوذ تفرض شخصيتها وتهيمن عليه.

ولم تُقصّر دور الإعلام والنشر والقنوات الماجنة التي لها الأثر الأكبر في نشر الأفكار الهدامة والتشجيع لتبعية المحتل ثقافيًا، يتوج ذلك بعضًا من نتوءاتٍ آدميةٍ محسوبة علينا، تعتقد أنها متحضرة باعتناقها أفكار الغرب تنعق بانغامها الشاذة حتى اصمت أسماعنا، وهذه للأسف نكبة ما بعدها نكبة. وفي حقيقة الأمر أن الاستبداد الفكري هو ما يجعل الأمة متخلفة لتبعيتها للإعلام الهدام والذي فُرض عليها عنوةً.

فالحرية الخالية من الشوائب هي الأرضية الخصبة التي يُزرع فيها الأفكار ويُحصد منها الإبداع، وكلما كانت نسبة الإخصاب أكبر وأعمق زاد رحيق الإبداع، أو بمعنى آخر "هي زيادة طردية بين الحرية والإبداع". ويزيد الطين بلة عندما تفقد الشعوب همتها وعدم الثقة بموروثها الحضاري الذي قد يكون هو المنقذ لها من نفق التبعية. ولا يُوجد أمةً على البسيطة إلّا ولها موروثًا حضاريًا تم جمعه من المحصلة التراكمية لمراحل حياتها على مر العصور. ولكن كما يقول الروائي دان براون "التاريخ دائما ما يقوم بكتابته الفائزون، وعندما تتصادم ثقافتان يتم طمس الخاسر ويكتبُ الفائز كتاب التاريخ، كتابٌ يُمجد قضيته هو وينتقص من الخصم الذي ذاق مرارة الهزيمة".

بينما مالك بن نبي يقول:"أرانا تاريخ ألمانيا الحديث كيف أن بلدًا شهد الإنهيار الكامل لعالم أشيائه، استطاع باحتفاظه بعالم أفكاره أن يبني كيانه من جديد" - ويعود ذلك بأن هتلر في الأساس غرس في شعبه الهمة والعزيمة، رغم أن الإعلام الغربي رسّخ عنه صورة معاكسه. والهمة والعزيمة عندما تختلطان بالعلم تغدوان أساسًا قويًا في نهضة الأمم، وفي عهدهم الحديث اشغلوا أنفسهم بالقضايا الرئيسة وهيأوا لشعبهم ما تقتضيه الضرورة للنهوض به، وابتعاد النخبة منهم عن سفاسف الأمور التي لا جدوى منها. 

نعم خرجوا من الحرب بعد أن تمكنوا وذاقوا حلاوة القوة و الاباء والعزة، وأدركوا أن الهزيمة مرحلية ما قد تنتهي آثارها إلا ويعودون لما تبقى من مخزونهم النفسي الذي قادوا به أوروبا. ولو تصفحنا إلى قصة هذا الرجل النازي، فقد ركزت الآلة الإعلامية المعادية على مساوءه، رغم أن الرجل من المنظور التاريخي كانت إيجابياته أكثر بمراحل عن سلبياته على وطنه، فقد قلب صفحة الفقر في ألمانيا إلى صفحة الغنى والرفاهية بلا رجعة خلال فترة لم تتجاوز الخمس سنيين فقط، ولا زال آثار تلك الصفحة باقية إلى يومنا هذا. 

ويكفي أنه هو من أدرك خطورة المجتمع اليهودي الذي غدا كالقمل يمتص خيرات الشعوب وإفقارها دونما مردود. وما نَكْبت الأمم إلا بسبب تحكم النخبة منهم التي تعمل دائمًا على إشعال فتيل الحروب لتحريك بركها الاقتصادية كلما دعت الضرورة. مالا يعرفه الكثيرون هو أن هتلر استقى أفكاره من المنهج الإسلامي وعلِمَ أن الفساد هو ساس هبوط وتأخر المجتمع، فأخذ من تشريعاته ما يراه مناسبًا لرأب ما تم إفساده، ففرض الحشمة على لباس النساء، واغلق دور البغاء، وركز على التعليم والثقافة، والأهم من ذلك اجتث شأفة اليهود ومحا آثارهم، مع أن النهج الإسلامي لا يتفق مع هذا المسلك بتاتًا، فقد حجر واسعًا، فأخذ الأبرياء بجريرة فُسّاقهم الذين عاثوا في الأرض فسادًا.

خلاصة القول أننا نمتلك مخزونًا حضاريًا هائلًا، حضارة إنسانية تفوق حضارات الأمم جلها، حضارةً ارساها ملك الملوك الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، وهو أعلم بالبشرية وما ينفعها وما يضرها، وإذا أردنا العزة فعلينا التمسك بها، لا أن نخور أمام اغراءات الغرب الزائفة التي تلبسنا لباس الذل والمهانة. ولو تتبعنا أمورهم على المستوى الفردي لأدركنا مدى الانحطاط الذي وصلوا إليه. نعم هم تفوقوا في الحضارة المادية لاشك في ذلك، ولا ضير أن نستقي منهم ما ينفعنا في دنيانا. ولكنهم في الحضارة الأخلاقية ليسوا بالمثال الذي يُحتذى به. وما نصرُنا وتفوقنا وتحضرنا لا ينجمُ إلّا بتمسكنا بكتاب الله وسنة نبيه العظيم، إذّ يقول المولى في ذلك :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[سورة محمد، الآية 7]. 
والله من وراء ذلك القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.