|

تحيكم لغة العقل (مقال تحليلي).

الكاتب : الحدث 2021-12-02 07:08:05

صدق الهالك وينستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق حينما قال؛ "في السياسة لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، بل هناك مصالح دائمة".
وهذا ما جعل المنطقة هذه الأيام تشهد بعض التحركات المكوكية تعقد فيها اجتماعات بين الفرقاء والخصوم لمواجهة ما يحاك لها، فها هي المصالحة التركية الإماراتية ما تمت إلّا بعد قراءة المشهد القادم ومدى خطورته على دول المنطقة، وهذا الذي جعل زيارة طحنون تتقدم زيارة محمد بن زايد لمقابلة أردوغان لشرح المرئيات الأمنية وتمهيدًا لتحكيم لغة العقل، ولا سيما أن وقوف بعض الدولة العربية ضد تحالف أمريكا وأوروبا مع الصين لم يأتِ من فراغ.

والأمل من هذا التصالح أن ينعكس ايجابًا في خمد نيران الحروب المستعرة في كلٍ من سوريا واليمن، ودعمًا لذلك فقد أدى وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد زيارة للأسد، تمهيدًا لإرجاع سوريا لحضن جامعة الدول العربية وعزلها عن محيطها الشيعي. والجدير بالذكر، أن هناك شبه توافق صيني إماراتي في بناء قاعدة متعددة الأغراض ذات طابعٍ عسكري، كحماية وتحسبًا لأي هجوم معادي على دفاف موانيء أبوظبي وعلى شريان خط الاقتصاد لبكين.

وفيما يبدو أن المصالحة السعودية والمصرية مع تركيا في طريقها، من خلال وساطة الإمارات لبناء تحالف قوي يضم فيه الصين لمواجهة إيران وأذرعها في اليمن، وتطهيرها من براثن الحزام الشيعي. ولا ننسى التحالف العربي الذي حدث مسبقًا وتوقيع مذكرة تحالف ضد مذكرة احتجاج وقّع عليها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، يدينون فيها الصين في انتهاكها لحقوق الأقلية من مسلمي الايغور. وفي حقيقة الأمر أن الإدانة الأمريكية الأوروبية ما هي إلا ذر الرماد على العيون للضغط على الصين وتأليب الدول العربية والإسلامية ضدها،

ولا يخفى عليكم أن سياسة أمريكا المتقلبة حسب مصالحها لا تألوا عن بيع جل الشرق الأوسط لإيران مقابل حفظ مصالحها وحلمها في المنطقة، وجعل إيران تميل إلى كفتها في حربها ضد الصين في محاولةٍ لتقزيم اقتصادها، وقد لاحظنا ما حدث لتركيا التي أضعفت عملتها مقابل الدولار، إلى الحد الذي قد يؤثر عليها على المدى البعيد إن لم يتم انعاش الليرة في القريب العاجل، وهذا أحد الأسباب الذي جعل أردوغان قبول استثمارات الإمارات في تركيا لإنعاش اقتصادها، رغم العداء الشديد الذي كان بينهما.

فقد انكشفت سياسة أمريكا نحو الشرق الأوسط المقيتة من خلال كتاب "العالم كما هو" صدر مؤخرًا من تأليف "بن رودس"، الذي كان مسؤلًا عام 2013 عن ملف المفاوضات مع إيران بشأن ملفها النووي. اجتمع رودس سرًا مع المسؤليين الإيرانيين اكثر من عشرين مرة في العاصمة العمانية "مسقط". ويذكر رودس في كتابه أن الرئيس باراك أوباما يكره العرب بشكل غريب، وكان دائمًا يردد أمام مستشاريه ان العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة، وأنهم متخلفون و بدو، وفي المقابل كان يتحدث عن إيران بود ظاهر وبإعجاب شديد بحضارتها. وفي حقيقة الأمر أن الحكومة الأمريكية الحالية هي إمتدادًا لهذا النهج. 

وفي المقابل أن التحالف العربي في اليمن بحاجة ماسة لقوة تركيا العسكرية لإخماد فتن الحوثي وقطع أيادي إيران في اليمن وسوريا معًا. وها هي فرصتهم لتحكيم العقل وقلب الموازين لصالح استقرار بلدانهم اقتصاديًا وأمنيًا. ولن يتأت ذلك طالما أن أيادي إيران مستمرة تعبث بالمنطقة يساندها جشع وهيجان الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا حدود له.

فقد لاحظت الدول التي كانت تتغنى بتحالفها بأمريكا أن المتغطي بها عريان أمنيًا، حيث ذكر وزير خارجيتها الأسبق ذو العرق اليهودي هنري كسنجر؛ "أنه ليس من صالح أمريكا أن تحل مشاكل العالم، بل من صالحها أن تمسك بخيوط اللعبة". وفي حقيقة الأمر لو استعرضنا التاريخ لوجدنا لأمريكا دورًا في كل فتنة وحرب في العالم لتحريك بركها الاقتصادية.

و المفاجئ بين كل هذه الأحداث تقارب إسرائيل مع الصين، والذي في رأي المحللين أنه يغضب حكومة أمريكا، فهل تنوي إسرائيل تغير نهجها وترى أن كفة الصين سترجح في المنظور القادم. وربما يرى البعض أن ذلك هو محاولة بث روح الثقة لدى الدول العربية والإسلامية التي لم تطبع معها بعد، والبحث عن ملاذٍ أكثر أمنًا في ظل التداعيات التي تحدث لأمريكا بسبب سياساتها الغير متزنة في الآونة الآخيرة وعجزها من كبح تعاظم شأن الصين اقتصاديًا. وقد تكون إسرائيل هي من تمرر للإمارات بعض الخطط السرية التي تحاك في أروقة حكومة بايدن لاستخدامها كطعم تقربها إلى جامعة الدول العربية زلفًا، وهذا حقيقةً ما تطمح إليه.

البعض لا شك سيزرع بذرة التوجس في نفسه حيال هذا التحليل، ولكن إذا سلّمنا لتوجسات هذه الفئة، فإنه من المستحيل بعد كل هذا العداء بين تركيا والإمارات يقبل أردوغان أن تعود علاقته بمحمد بن زايد من أجل نزوة انتقام ضد أي طرفٍ كائن كان، فالأمر جدًا خطير ويجب أن تصطف فيه كل دول المنطقة صفًا واحدًا.
فهذا المقال ما هو إلّا نظرة تحليلية لِمَ يحدث من تكتلات غريبة الشأن بين الفرقاء والأعداء التي كان من المستحيل أن تحدث وفق ما كان من العداء والتناحر الشديد، وإلّا لَمَا كان من المحال لو أن هناك في الأمر ما لا يُحتمل، والعلم اليقين عند الله ولا يعلم الغيب إلا هو سبحانه.

 

بقلم : عثمان الأهدل …