|

الريبة من تطور الذكاء الصناعي.

الكاتب : الحدث 2022-02-06 04:17:23

لن تتوقف الاكتشافات والاختراعات العلمية ما لم يُحدّ شغف الإنسان لمعرفة المزيد عن أسرار الكون وتحدي الطبيعة، فقد قال المولى عز وجل عن هذا؛{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ.}. والسلطان هو العلم كما جاء في معظم كُتب التفسير. فإن الخيال العلمي والمعروف بـ Science fiction، والذي جاء في العديد من الدراما السينمائية كجزءٍ من التشويق، أثارت تلك المشاهد قريحة بعض العلماء، لِمَ لبعضها من واقعية يمكن تحقيقها على أرض الواقع، ولا سيما أنها قرحت في أذهان بشر لا يختلفون سوا أن خيالهم خصب بالعجائب التي تعطي للمشاهد نكهة خاصة في صناعة الدراما، فإن الاختراعات أساسها أفكار تنشأ من الحاجة، إذّ قيل في الأثر؛ "الحاجة أم الاختراع". 

وهاهو ألن ماسك صاحب شركة تسلا وشركة الفضاء اسبس اكس، يترجم ذلك بأفكار يُستعصى استيعابها وتصديقها، ليس ذلك فحسب بل أن خياله وتوقعاته تذهب أبعد من ذلك، فهو يعتقد كما أن للعلم فوائده الجمة، كذلك لهُ أضراره التي لا يحمد عقباها، إلى الحد الذي قد تكون وخيمة إن تُرك العنان للباحثين والمطورين دون ضوابط وقيود. فإن ألن ماسك يتوقع أن التقنية وبالذات في التطبيقات والأنظمة الذكية قد تحدث طفرة لا يمكن تخيلها، ولا سيما في ظل التطور النوعي للأنظمة القابلة للتعلم ذاتيًا والتي تعرف بـ Machine Learning،

وفي المقابل يرى ألن ماسك أنه بالإمكان تحسين أداء الإنسان وجعله قادرًا لحل أعقد المعضلات وزيادة كفاءته الإبداعية ليواكب التغيرات التي تحدث في الحياة العملية، وذلك بزرع خلية الكترونية متطورة ذكية ذات معالج دقيق بالدماغ، ربما ذلك يشكل نوعا ما ضربٌ من الخيال، ولكن مع التقدم التقني لم يغدو ذلك مستحيلًا، وطبعا هناك ما وراء الأكمة من هذا القصد الذي لا نعرف أين يغدو بالبشرية.

ومن ثمار ترك العنان لسعة التخيل، فإن الدراما السينمائية تبنت في محتواها ما قد يضيف رونقًا في صناعة السينما، وخصوصًا أن المشاهد قد مَل من الدراما التقليدية، فظهرت في بعض مشاهد السينما استنهاض القوة الخارقة باستخدام بعض الخلطات العلمية والتقنية أو التخفي بلبس معطفًا يخفي الجسد، وهذا ما جعل إحدى الشركات اليابانية تخترع معطفًا يعمل على إخفاء الجسد بطريقة ذكية جدًا اُستخدمت فيه كاميرات وشاشات مدمجة رقيقة وصغيرة في آنٍ واحد، بحيث تقوم الكاميرات بالتقاط المنظر الخلفي الذي يغطيه الجسد للناظر، ومن ثم يتم عكسه في الجهة المقابلة على الشاشات الدقيقة مشكلًا منظرًا للواجهة المخفية، وهكذا يتم ايهام الناظر ويغدو الجسد مخفيًا، وهناك المزيد من الاكتشافات العلمية والتقنية التي تزاحم الخواطر البشرية. 

فقد شرع ألن ماسك في معمل ابحاث إحدى شركاته في تصنيع بطاريات ضخمة كطاقة بديلة لتشغيل المدن والبلدات بدلًا من استخدام الوقود التقليدية والمشتقة من مادة البترول الملوثة للأجواء. كل ذلك غيثٌ من فيض، فهناك العديد أمثال ألن ماسك الذي صرح قبل أيام قلائل على أن كوكب مارس يمكن العيش فيه بعد إجراء تعديلات طفيفة في أجوائه لتناسب البشر، والجدير بالذكر هنا، أن ألن ماسك تفوق على شركة ناسا لأبحاث الفضاء، فقد استطاع أن يطلق صواريخ بكلفة تقدر بـ ١٠٪؜ من تكلفة صواريخ ناسا، ليس ذلك فحسب بل أن الصواريخ التي تعمل على حمل الأقمار الصناعية يمكن استخدامها لعدة مرات بعكس صورايخ ناس التي تتوهُ في الفضاء.

إلّا أن الخطر الفعلي يكمن فيما يرددهُ ألن ماسك عن التطور النوعي والمخيف للذكاء الصناعي AI والذي يستخدم فيه برمجيات العقل الآلي، ويكمن خطره في أنه يتطور ذاتيًا عبر تعلمه من تصرفات الإنسان أو الآلات التي تحيط بنا، ومن ثما يتصرف ذاتيًا من خلال محصلته التراكمية الهائلة والتي يصعب على الإنسان مجاراتها، وهذا النوع من العلم إن لم يتم وضع ضوابط له وتقنينات سيؤدي إلى انفلات وعدم القدرة للسيطرة عليه وقد يشكل خطورة على حياة الناس، ولا سيما أنهم أصبحوا يعتمدون وبشكل كبير على الحياة الرقمية التي أصبحت جزءًا لا يتجزء من حياتهم. والأخطر إن غدت هذا البرمجيات متاحة في أيدي المجرمين، الذين لا يألون من إحداث خراب ودمار ليحققوا غاياتهم، أو أن هذه البرمجيات ذاتها قد تتمرد على الإنسان.

وهذا ما ادخل الريبة والخوف في نفوس بعض الساسة في الولايات المتحدة، يخشون من تنامي ألن ماسك اقتصاديًا وعلميًا بوتيرة أسرع وخصوصا أنه تعافي من نكبته وتعدى كل أثرياء العالم خلال مدة لم تتجاوز عن خمس سنوات، ولا يعرفون ما الذي غير حاله بهذه السرعة إلّا وخلفهُ سر قد يعطيه قوة ومنعة لا يمكن بها مجاراته ويخشون من أنه قد يصبح القوة الأوحد في العالم، و تكوين امبراطورية تسيطر على مفاصل الاقتصاد العالمي، فقد تعدت ثروته إلى الحد الذي لا يمكن مجاراته، فهو الآن يعد أغنى أغنياء العالم بثروةٍ تجاوزت المئتين مليار دولار فضلًا عن قيمة مجموعة شركاته التي لامست قيمتها السوقية الترليون دولار.

 من يمتلك المعلومة يمتلك القوة، فقد قال جل في علاه في سورة النمل ؛{قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}، وقالت العرب؛"العلم يبني بيتًا من لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والكرمِ"، ولذا حرص الرعيل الأول من أسلافنا على العلم حتى سطروا التاريخ بسجلاتهم التي مُلئت بالاختراعات والانجازات العلمية شهدوا لها الغرب وبنوا حضارتهم المادية على أساسها.

العلم ليس ملكًا لأحد فهو لمن يخدمه، وهذا الذي جعل الصين تحاربها أمريكا إزاء تعاظم قوتها الاقتصادية والتقنية محاولةً تحجيم نفوذها، وفيما يبدو أن الصين ستتعداها إن لم تكن تعدتها في الواقع، وخصوصا أنها صنعت مؤخرًا طائرة تعدت سرعة الصوت بعشرات المرات، فهي تستطيع قطع مسافة تتجاوز عن ١٠ آلاف كم خلال ساعة واحدة فقط، وهي المسافة بين بكين ونيويورك. فالحرب الضروس إعلاميا حتى الآن بين أمريكا والصين، والتي قد تصل إلى دموية، سببهُ تايوان التي تستطيع أن تخنق العالم إن امتنعت في تصدير الرقائق الالكترونية والتي تدخل في صناعة شتى الآلات، من أشهرها الإنسان الآلي أو الذكاء الصناعي.

بقلم : عثمان الأهدل …