بل يكذب ويحرف ويزور وينحاز وغير محايد على الإطلاق، فالتاريخ لا قلم له ولا حبر ليدون ويكتب ويؤرخ لنفسه، بل كتبه بشر ذوو مصالح مذهبية وطائفية ووطنية وحزبية وشخصية، وأصحاب أهواء متأثرين بفكر معين،‬ وإن كان التاريخ كُتب كما يكتبه البعض اليوم ونقرأه بأعيننا ونحن شهود الله في أرضه، فهو بالتأكيد وبدون أدنى شك بعيد كل البعد عن واقعه وحقيقته.‬

ولنا في أبي الفرج الأصفهاني (وهو من الأعلام في معرفة التاريخ والأنساب والسير والآثار واللغة) خير شاهد وحجة ودليل بما خطه قلمه في كتاب الأغاني حين شوه وزور تاريخ بني أمية أول أسرة مسلمة حاكمة في الإسلام، حيث أبرز الجوانب الضعيفة في حياة بعض أفرادها من خلفاء وقادة وشعراء وغيرهم، واختزل حياتهم في جانب المجون والخلاعة والترفيه، وأغفل ما كان منها جادًا ورزينا، حتى يكاد القارئ يتصور أن دمشق مدينة العلم وكعبة الثقافة حينها كانت مركزا للمجَّان والخلعاء لا مركزًا للثقافة الجادة وحلقات العلم التي كانت تمتلئ بها مساجد وجوامع ومجالس دمشق.

أما في عصرنا الحاضر فأكتب ولا حرج وأرخ كما يبدو لك وبحرية تامة ولا خوف عليك من المبالغة، فما أكثر المؤرخين المتأخرين وما أقل الصادق منهم، وما أكثر الأقلام المأجورة التي تكتب وفق مصالحها وهواها وكما تؤمر ويطلب منها سادتها وقادتها.

المستشار والكاتب:
محمد بن سعيد آل درمة
@mohammedaldermh