فلسفية حب الوطن ..

بقلم .. العنود سعيد
ألمّت بي وعكة صحية قاسية بعض الشيء في اليوم الوطني و الحمدلله على لطفه مما استدعاني للذهاب إلى المستشفى، و وصلت للطوارئ وكان هناك طبيبان وممرضة وحين مكوثي للكشف عند الممرضة دار حوار بينها وبين الطاقم المتواجد معها حيث كانت تشتكي لهم بحرقة وصوت يملؤه القهر من زميل لها في قسم الأشعة وذلك لعدم تجاوبه مع حالات المرضى حيث قال هذا الزميل : ( أنا سأقوم بالتجول قليلاً خارج القسم فإذا جاء مريض أرجو الاتصال بي ) وذكرت تلك الممرضة الراقية للأطباء المناوبين معها أن هذا الأمر لايجوز لأنه وقت المرضى و ليس عليهم الانتظار لأجل موظف يتجول خارج المبنى ويتسبب في تأخير المرضى وعدم تقديم الخدمة في مواعيدها المجدولة لهم بالساعة والدقيقة ..) انتهى حديثها .
الأمر الصادم بالنسبة لي هو عدم اكتراث الطبيبين المتواجدين لكلامها حيث ردت عليها الطبيبة : لا مشكلة الأمر بسيط ولا داعي لذلك الغضب ..
ردت الممرضة بامتعاض: بل الأمر في غاية الأهمية فهذا الوقت للمرضى وهم يضطرون للبقاء ساعات طوال للحصول على الرعاية الطبية ، وقد يكون البعض منهم كبيرًا في السن أو مريض أجهده الإعياء لا يستطيع الانتظار كثيرًا لأجل موظف لا يحترم وقت مهنته..) انتهى الموقف .
كنت أتساءل في نفسي لماذا بعض الأطباء لم يتفاعلوا مع كلام الممرضة حيث كان التراخي و عدم اللامبالاة والصمت سيد الموقف لديهم ؟!
الإجابة بكل وضوح هو لأنه لم يضع البعض الموقف في عين الاعتبار ولم يستنكروه أو حتى القيام بإبداء الرأي فيه ومن الطبيعي جدًا أن يتجرأ من يتهاون في جدية العمل .
خرجت من المكان متجهة لصرف الدواء من الصيدلية التي بقيت فيها للانتظار مدة ليست بالقصيرة حتى يتم استدعاء الموظف للتكرم في صرف الدواء ، وأنا أحمل في نفسي كمًا من الثناء والامتنان لتلك الممرضة التي لم أستطع الخروج من المستشفى دون أن أفُصح لها عن مدى إعجابي بموقفها الرائع وضميرها الحي ، وكم أتمنى أن يصل مقالي هذا إلى من يهمه الأمر و تكريم هذه الممرضة المثالية فهي نموذج حي للموظف الصالح.
فقد جسدت تلك الممرضة أروع صور الحب و الانتماء الحقيقي للوطن في إخلاصها بعملها وتقديم أجمل صور المواطنة الصالحة لهذا الوطن الغالي والذي لا يقتصر حبه كما يظن البعض على تلك الاحتفالات و الأهازيج والشعارات الوطنية، الحب الحقيقي للوطن يكمن في أداء الرسالة على أكمل وجه والعمل بإخلاص وأمانة وعدم التواني في كل ما من شأنه تسريع عجلة التنمية .
إن أردت أن تكون صادقًا في حب وطنك فاسعَ لأن تكون ممثلاً له بأخلاقك الرفيعة ، و عبِّر عن ذلك الحب بأفعالك لا بأقوالك، فالوطنية خدمة وتضحية و ارتقاء وإتقان وجدية و مساهمة في بناء وتحديث وتطوير مؤسسات المجتمع و محاربة الفساد وتصفيته من جذوره.
إننا جميعًا نحب وطننا إلا أن الكثير منا لايعرف كيف يعبر عن ذلك الحب ، أن تحب وطنك لا يعني ذلك أن تتجول في الطرقات و تشارك في الاحتفالات فقط بل أن تجيد وتعي دورك الأساسي كمواطن في تنمية وتعزيز الشعور بالمسؤولية المجتمعية والإدراك بحجم ونوع تلك المسؤولية الملقاة على عاتقك وأن تكون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار فالجميع عضو مشارك في تنمية هذه البلاد.
همسة….
حب الوطن ليس مجرد شعارات خاوية بل حبه عملًا وإصرارًا وصدقًا وتفانيًا وأمانةً وتقديرًا لثرواته و وقته وكل ما يسهم في علوه وتعزيز مكانته بين دول العالم .