|

الأم .. (جامعة)

الكاتب : الحدث 2023-10-11 01:56:22

 

بقلم ـ محمد العتيّق 

الحديث  عن أحد الوالدين  يحتاج لمجلدات وليس لمقالة فقط، ولن توفيهم  حقهم فيها ، والحديث عن الأم  يحتاج  لغة وكلمات وحروف  ولن تكفي وصفها ،  الأم في  كل  لغات 
العالم هي  مثال للحب  والرحمة  والشفقة والحنان .

الكاتب منا لا  بد أن يستنهضه موقف  أو يرى  ما يجعله يخرج قلمه ليكتب ، فهناك  حديث في القلب لا  بد أن يخرج ويسطر  في الورق  حتى يرتاح  الكاتب ويقدمه للناس . 

في أحد الأسواق رأيت سيدة معها ابنة تسير  معها و ابن في عربة وهو من أصحاب الهمم  ربما لا يدرك ما  حوله ، وهي  تدفعه  وتقف  وتمسح على  رأسه  ووجهه  وتسقيه 
وتتكلم  معه  وأنا  متأكد أنه لا يفقه  حرفاً مما  تقول ، لكنها العاطفة والمحبة والحنان الذي يحتوي الكون بأكمله فكيف بهذا الصغير، هذا الموقف  جعلني أتفكر في الأم وقدرتها
وكيف  أنها تقوم بكل شي  لأجل أبنائها  وراحتهم وسعادتهم ، الأم  كانوا يقولون عنها  (الأم  .. مدرسة) ولكن الواقع يقول  أنها  أكبر  من المدرسة ، فهي  جامعة  بكل  كلياتها  
وكل ما تخرجه للمجتمع  من أصحاب الشهادات العليا . 


في  كل الدول العربية  لفظة الأم لها وقعها الخاص ، والشعراء  حينما يترنمون  شكوى  من الدنيا  وما فيها  يسندون الشكوى للأم  لأنها التي  تسمع  والتي تواسي  والتي  تحن للابن والإبنة ،
وحينما  يخاف الإنسان  من  موقف  مفاجئ  فإنه بلا  تردد  وبكلمات  عفوية سريعة   تجده يقول  (يممممممممه ) ، لأنها الأم  ولأنها الحب  ولأنها الحنان .


مهما نقدم للأم  فلن  نوفيها حقها ، ولكن  نقول لعلنا نسعدها ونفرحها ببعض  ما نقدمه لها  وما يفرح قلبها  منا ، حقيقة ابتسم سخرية  حينما أرى  من  يحتفل في يومٍ بالسنة ويسمونه عيد  الأم!!!
وهل الأم يكفيها محبة وتقدير وعرفان يوم  واحد  في السنة ؟  والله أيام الدنيا لا  تكفيها  ولا  تعطيها  ما تستحق ، وأنا أرحم وأرأف بحال  من لديه  أم على قيد الحياة  ولم يستغل  هذه الفرصة في القرب 
منها  ومحبتها  والإحسان إليها  وطلب رضاها ودعواتها ، هو بلا شك  الخاسر  الأكبر ، ولن  يعرف معنى  كلمة الأم  إلا  حينما يوسدها الثرى ، فيندم  وقتها ولن ينفع  الندم  حينها. 


أعرف رجالاً  تعسرت  أمورهم ولم أغلقت الأبواب أمامهم ولم  يفتح تلك الأبواب  إلا   دعوات أم  محبة  تلهج بالدعاء  على سجادتها لأبنها ، يقول أحدهم  تخرجت  من الثانوية  وقدمت على  معهد  للحاسب الآلي
لأني أريد وظيفة  فلم يتبقى في المنزل  إلا أنا  و والدتي فقط  اخواني  تزوجوا  وكلا منهم عاش حياته في منزله الخاص ، نحن نعيش في مدينة صغيرة لا يوجد فيها كليات  ولو ذهبت للدراسة تركت أمي  وهي لن  تترك  المنزل
ولأجل ذلك  درست في  معهد للحاسب وأخذت الدبلوم  ولكن للأسف  لم أجد  وظيفة، كان أخي  الأكبر  يأتي للمنزل  ويقول  أنت لم تجد وظيفة وأنت أصبحت  عالة على والدتنا وهي  من تصرف عليك وأنا  اتكدر  من كلامه  وأمي ترى كل ذلك
 ولا  يعجبها  كلام  أخي حتى أصبحت تعتذر  من  أخي  إذا  أراد الحضور  تقول  لسنا في المنزل ولدينا  أشغال  لأنها تعرف  أنه سيضايقني  بكلامه ولا  تحب ذلك  فهي  تراعي مشاعري  وتعرف أني  لم  أترك مكانًا إلا  وقدمت فيه  ولكن  دون جدوى.


يقول الرجل : في  يوم  من الأيام  وقبل  الظهيرة أتى أخي  كعادته  ويسمعني  الكلام  المعتاد  ولم أتحمل فتركته وذهبت لغرفتي  و  والدتي تقول له اترك  أخاك  ولا  تكلمه بهذه الطريقة  والله يرزقه ، يقول  أنني توضأت  لما أذن الظهر  وذهبت للصلاة 
وكانت والدتي تصلي  على سجادتها  وتدعي قبل  الآذان لا أعلم لمن الدعاء  ولكني  أحسست  أنه لي ، خرجت من المنزل وركبت سيارتي  وخرجت للشارع العام في المدينة  ومررت  من  دائرة  حكومية  لم  أقدم عليها سابقاً ، توقفت  وأخذت الملف وهممت بالنزول  من السيارة
والذهاب لتقديم الملف في  هذه الدائرة ، ولكن قلت في نفسي  قدمت  على جميع الدوائر الأقل  من  هذه الدائرة وهذه  الدائرة  تعتبر  أكبر  دائرة  وأهم دائرة في  المدينة  فلن أقبل فيها  ولن أجد وظيفة مثل   غيرها ، يقول  ركبت السيارة  وانطلقت   ففكرت في الطريق  لماذا  لا  أقدم
ولن أخسر  سوى  ملف  من الملفات الكثيرة  التي  وضعت فيها  كل  شهاداتي ، رجعت للدائرة نفسها  واخذت ملفي  ودخلت وكانوا يصلون الظهر  وكنا الساعة  12 والربع تقريباً ،  يقول الرجل : صليت  معهم الظهر  وذهبت لمكتب المدير وطلبت  من السكرتير  الدخول للمدير  لتقديم ملفي 
لطلب وظيفة ،قال السكرتير  اعطني  الملف  أنا أقدمه للمدير بدلاً عنك  ، قال صاحب  الشأن  أريد  أنا  أن أقدم الملف  وأٌقابل  المدير شخصياً ، فدخل  الرجل  على  المدير  وسلم  ثم  قدم له الملف  وقال  أنه يبحث  عن وظيفة .


ابتسم مدير الدائرة وقال  انظر لهذه الملفات الكثيرة  كل  أصحابها أتوا بحثاً عن وظيفة  ولكن للأسف لا  يوجد ولكن اترك ملفك لدي ، فترك الرجل الملف  على مكتب  المدير تصفحه المدير  على  عجل  و وضعه  على المكتب  ، هم الرجل بالخروج  وهو منكسر  كعادته  في  هذه الأثناء 
دخل رجل  وهو يقول للمدير  هذه الحال  لا  تصلح  وهذا الموظف لن ينجز كل  العمل  الذي  ارسلته لي  في وقته  ويتأخر  فهو لا يستطيع الكتابة على الحاسب  بسرعة وهو بطيء  جداً وانا تعبت  منه ، يقول الرجل  التفت إليها وقلت  أنا أقوم بالعمل  واعرف الطباعة بسرعة  قال  الرجل الغاضب
 اسمح لي  يا سعادة المدير  اجرب الرجل اذا اتقن العمل  فسيكون موظفاً لدينا  ، قال المدير  اذهب  معه ،يقول فذهبت واعطاني  العمل   نسخته بسرعة وقدمته له في  دقائق  معدودة استغرب  وطلب  أن اكتب  وهو يملي  من عنده  فكتبت  كل  ما قاله وبسرعة واتقان ، فأنا لدي  المعرفة ودرست الحاسب الآلي
وتخرجت بتفوق  من الدورة ، يقول الرجل  أخذني رئيس القسم لمدير  الدائرة وقال أريد  هذا  الآن  وأريد  أن يبدأ معي  اليوم  يقول فأصدر  المدير أمر مباشرتي في  نفس اليوم على وظيفة لديهم  رجعت للمكتب  وأكملت العمل  حتى انتهى وقت  الدوام الساعة الثانية  تقريباً 


يقول عدت لوالدتي  وأنا  موظف فوجدتها على سجادتها تدعي  فجلست  عندها ولما التفتت  بشرتها بالوظيفة وأني الآن  عائد منها  فبكت  وقالت والله يا ولدي  كنت  أدعوا الله لك  منذ  خرجت  وفي  كل يوم  ولكن اليوم  أكثر  الدعاء  والطلب  من الله  والحمدلله  على أن وفقك الله بالوظيفة. 

 

هذه الأم  وهذه  دعواتها التي تفتح  كل  أبواب  قد تراها مغلقة ، الأم لا  عوض  لها  ولن  تجد مثل  محبتها  لك الخالصة  والتي لا  ترجوا  منك فيها شيء فهي فقط تريدك سعيداً  ومرتاح البال . 


حقيقة اني استغرب  من بعض الناس الذين  يأتيهم الخاطب  ليخطب  منهم فيشترط عليهم  وجود  والدته  معه في المنزل فترفض الفتاة  بحجة  أنها تريد أن تأخذ راحتها في  منزلها ، ولا  تعلم هذه المسكينة أنها الخاسرة  الوحيدة في هذا الأمر ، بل  على  العكس  حينما يكون الرجل  مشترطاً لوجود  والدته 
معه فهذا يدل  على صلاحه  وعلى حنانه  وقلبه الطيب وهذا يدل  على  أن أبناءه سيتعلمون  من  والدهم البر  والاهتمام بوالدتهم، فهم يرون  والدهم يقبل رأس أمه  ويديها  وينطرح  أمامها  منكسراً طالباً لرضاها   فيتعلمون  معنى البر  وهذا  ما سينكعس  على الأم التي ستحتاج مثل  هذا البر  حينما تكبر ، ولكنها  بعض العقول
الفارغة  ،  الزوجة  بدلاً عنها  زوجات والنساء  كثير ولكن الأم لن تجد لها بديلاً   ومن لا  ترضى بأمك و تحترمها  وتقدرها فابحث عن غيرها  سيغنيك  الله  من فضله ، ونعم المرأة الصالحة  للرجل الصالح . 

 

تريد التوفيق  تريد السعادة تريد  صلاح الأبناء  والبنات ، اهتم بوالديك  وبأمك خصوصاً واحرص  على برها ورضاها وطاعتها، فقد تحملت الكثير  لأجلك  من  الحمل والولادة التي  هي  كالدخول في معركة ربما لا يخرج  منها حياً ، والرضاعة والسهر على راحتك  ونظافتك 
وعلى صحتك  وتربيتك   ، وكثيراً ما  كانت تحرم نفسها  لأجلك ، فهي  والله تستحق  كل محبة وتقدير واهتمام  وسعادة  ، أعرف  من  تجاوز الستين ولديه أحفاد  وهو  مع الرجال  لا يشق له غبار  وله  اسمه  ومركزه  واذا  ضاقت عليه الدنيا و أرهقته  ذهب لأمه  وتوسد رجلها وشكى لها
وهي  تواسيه وتمسح  على رأسه وتعلمه وترشده ، مهما  كبرت فأنت عند  أمك طفلاً  تحتاج رعاية وحب  واهتمام . 


الكلام عن  هذه الأم  الغالية لا يمكن  أن ينتهي  مهما  تكلمنا وكتبنا ، ولكن  ندعوا الله  أن نكون بارين  بوالدينا  وأن نرضي الله بذلك  وأن لا يحرمنا الله بركة  دعائهم والإحسان إليهم (ربي ارحمهما كما ربيانا صغارًا )