|

"فصبــرٌ جميــل"

الكاتب : الحدث 2023-10-14 07:11:26


      بقلم 🖋️ نهاد فاروق قدسي ..

تمر بي هذه الآية العظيمة المعنى .. تستوقفني كثيرًا .. أتأمَّلها مرارًا وتكرارًا .. تحوي بين طيَّاتها كمية مواساة ربانية .. أرى من خلالها بصيص أملٍ يلوِّح بيديه .. تتجلَّى فيها تربيةٌ دينية ، مفهومٌ حياتي ، منهجٌ يعقوبي ، ونهج الرسل أجمع ألا وهو " الصبــر " مَحّكُ الإيمان والطريق الموصل إلى الجبر ، خاصةً ونحن في متاهاتِ واقعنا اليوم الذي نعاني فيه من أفكارٍ متزاحمة وهمومٍ متتالية .. وفي كل لحظةٍ نجد أنفسنا أمام مواقف جمَّة نواجهها ، ثمّة عقبات شتَّى تعترض طُرقنا .. اختباراتٌ ومحنٌ صعبة المراس .. فتُدَقُ حينها الطبول والأجراس .. معلنةً انقلاب الحال ووجع الرأس .. كل ذلك يُزعجنا .. يكسر قلوبنا .. يُفقِدنا توازننا .. وهذه هي سُنَّة الحياة بل ومن مُسلَّماتها التي لامناص منها ولا مفرّ .. نحتاج في هذه اللحظة لِمَنْ يربت على أكتافنا .. يشدُّ على أيدينا .. نتوق إلى مواساته .. نحتاج إلى طاقة الحب والقوة والسند والصمود .. نريد مَنْ يَدفعنا بنصائحه باتجاه التجاوز والتخطي بكل صلابةٍ وتحدٍ .. كل ذلك كان يتجسَّد في شخص أبي - رحمه الله - ، فقد كان الكتف الثابت الذي مهما قستْ الأيام لايمَّل ولايميل .. الوطن والموطن .. الأمن والأمان .. ففقدانه جرحٌ يأبى ألاَّ يلتئم ، وحزنٌ عتيٌّ على النسيــان .. 
فَـ مرارة الفقد غُربة .. وحينما تغزو الغربة أفئدتنا وتتسلل الظلمة أنحائها.. تحتاج حينها للدواء الذي يكون بمثابة البلسم الشافي .. والملمس الحاني .. هذا الدواء يأتي على هيئة ( عِـنـــاق ) ليزول ألم الفقد وتتلاشى مرارة الفراق .. ولنا في عناق الرسول الله صلى الله عليه وسلم للجذع خير دليل وأجمل شاهد .. فذلك الجذع الكائن "جماد" لم يطِقْ الفقد ، ولم يستطِع الصبر على فراق رسول الله !! 
أنينٌ وحنينٌ شعر به هذا الجذع فكيف بنا ألاَّ نفعل !! 
وكيف بقلوبنا ألاَّ تحنُّ وتئِنُّ لفقد آبائنا !! 
فالعمر بدونهم عبئًا ثقيلاً .. وحملاً شاقًا ..  
اشتياقٌ كبيرٌ لملامح أبي .. وضحكات أبي ..
اشتياقٌ كبيرٌ لصوت خطوات أبي .. وقلقلة مفاتيحه .. 
اشتياقٌ كبيرٌ لوجود أبي .. وتقبيل رأسه ..
اشتياقٌ كبيرٌ للعيد مع أبي .. وعيدية أبي .. 
اشتياقٌ كبيرٌ لعطر أبي .. وأناقة أبي ..
اشتياقٌ كبيرٌ لأيامٍ خوالي .. أتمنى لو أعيشها ألف ألف مرة وأبــدًا لا تنقضي ..
اشتياقٌ كبيرٌ .. وشوقٌ لاذعٌ .. وفقدٌ آكلٌ .. وعباراتٌ مخنوقةٌ .. 
العيون بالدموع ذَرْفى .. والقلوب بعـد الفراق حَسْرى .. ماباليد حيلة .. ولكن " فصبــرٌ جميــل" ..

روحٌ وريحـانٌ وجنةُ نعيـمٍ لروحٍ طاهرة نقيِّــة .. وملامحٍ غاليـة ونفسٌ أبيّـة تحت الثـرى لاتفــارق مخيلــتي .. فـاللهـم اجمعنا معـه ومـع مَـنْ نحـب في جنَّـاتك جنَّـات النعيـم المقيـم على سرر متقابلــين .. (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) .