مسببات الغباء

بقلم -جابر المثيبي
هل تساءلت يومًا هل يتم صناعة الغباء لدى البشر؟، هل تصميم وطريقة نمط الحياة للفرد لها أثر، وهل الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى زيادة الاغبياء، أم أن الإعلام المظلل وانتشار المقاطع التافهة عبر وسائل التواصل المختلفة تجعلهم في الواجهة وتقلل من الذكاء، وبأن الغباء صناعة تحرص عليه الشركات الكبرى وتدعمه في سبيل خلق عالم يخلوا من التفكير الحر، لتمرير ما يريدون من الأفكار والمعتقدات لتمهيد وتمهير البشر لعالم جديد.
ان الدراسات الحديثة ترى بالإضافة لما سبق بأن بعض التصرفات والعادات والسلوكيات والطرق التعليمية المعتمدة على التلقين والحفظ وحتى بعض الأغذية بالإضافة لنمط الحياة ، قد تؤدي إلى حدوث تراجع وتدهور في القدرات العقلية للفرد، كما أن التوتر الدائم والعصبية وحالات الانفعال قد تودي إلى تراجع قدرات الدماغ بالإضافة إلى قلة النوم وإدمان ألعاب الإنترنت ، قد تودي إلى ضعف القدرة على التعلم والإدراك واسترجاع المعلومات ، كما وجدوا أن العناد والغرور والتشبث بالرأي ، من أنواع الغباء ،ويعتبر من أسباب الغباء كذلك قلة تحفيز الدماغ على التفكير.
ان ما قام به مجموعة من العلماء من تجارب على القردة تعد من أفضل الأمثلة لصناعة الغباء، حيث قاموا بوضع خمسة قرود في قفص واحد ووضع سلم في وسط القفص ووضع موز في أعلى السلم، وفي كل مرة يصعد أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القردة داخل القفص بالماء البارد، بعد فترة من الزمن عندما يحاول أحد القردة الصعود لأخذ الموز يقوم باقي القرود بمنعه وضربه حتى لا يتعرضون للرش بالماء البارد.
بعد فترة من الزمن لاحظ العلماء بأنه لم يعد يجرء أي قرد على الصعود لأكل الموز، على الرغم من كل الإغراءات خوفاً من الضرب من قبل بقية القرود
بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القردة الخمسة ويضعوا مكانه قردًا جديد
وعندما دخل القرد الجديد وشاهد الموز في أعلى السلم أسرع بالصعود لأكل الموز قام القردة الباقين بضربه ضربًا مبْرحا وإجباره على النزول دون أن يعلم سبب لذلك، بعد عدة مرات من الضرب فهم القرد الجديد بأن عليه ألا يصعد السلم لتناول الموز.
بعد فترة قام العلماء بتكرار نفس العملية بإخراج قرد من القدامى واستبداله بقرد جديد فلقي ما لقي القرد السابق عندما حاول صعود السلم لتناول الموز، حتى أن القرد البديل الأول شارك قرنائه بالضرب.
وهكذا حتى تم استبدال جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة ليصبح من بداخل القفص خمسة قرود لم يتم رش عليهم ماء باردا أبدًا، ومع ذلك يقومون بمنع أي قرد تسول له نفسه صعود السلم، دون معرفة السبب. فلسان حالهم لا ندري ولكن وجدنا من سبقنا على هذا الطريق فأصبح عرْف وعادة لديهم.
وبنفس الطريقة يتم تغليف العقول وتأطيرها ليكون التفكير داخل الصندوق المعد سلفًا ، للحفاظ على نفس النتائج، دون إدراك الصواب، ودون وعي أو فهم لحقيقة الواقع، وهكذا تتغير الأجيال المتعاقبة، تحت مسمى عادات الآباء والأجداد.
قال تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)
لابد من إعمال العقل والتفكير تفكيرا منطقياً، مع أخذ الشواهد من الواقع، لتكوين رؤية واضحة، مع تحلي الفرد بالفهم الواعي، والإدراك لمتغيرات الحياة، والإلمام بالمعرفة الإيجابية المؤيدة لأفكارنا، من خلال فهم ما يدور حولنا وعدم التسليم المطلق.
فالمجتمعات تنقسم إلى مجتمعات غبية تضحي بالأذكياء والأكفاء والمهرة وتسلم مقدراتها لمجتمعات أخرى تنهض على اكتافهم، وفي المقابل مجتمعات ذكية تشجع وتدعم الاذكياء إيمانًا منها بأنهم أعمدة المستقبل والركيزة لأي مجتمع ناجح.
ومجتمعات لا حدود للغباء لديها، تقتل الأفكار والمواهب وتدفع بالأغبياء إلى الصفوف الأولى وتضعها في أماكن القيادة ليسهل إدارتها والسيطرة عليها.
إن الفشل المعرفي. يكون عندما لا نمتلك أدوات الفهم المطلوبة لمهمة ما. وبالتالي العجز عن فهم ما يحدث، وما ينتج عن ذلك من الميل إلى تصنيف الظواهر بشكل سطحي مشوه، فالذكاء أحياناً قد يحثنا على الغباء من خلال العقلانية الخبيثة، فالغباء أساساً يخص الجماعات أو التقاليد وليس الأفراد؛ ففي النهاية نحن نتلقى أغلب مفاهيمنا وأدواتنا الفكرية من المجتمع الذي نشأنا فيه، مع ضرورة التفرقة بين الغباء ولتغابي، حيث أن الغبي لدية قصور في إدراك المتغيرات وفهمها، بينما المتغابي يكون عن قصد ودرايه لحاجة في نفس يعقوب.