|

رحلة عُمُر ..

الكاتب : الحدث 2024-01-07 01:02:45

 

_د/ سلمان حماد الغريبي_

كم تذكرت أيام الصِبا ...
رحلة ذهاب وعودة من وإلى بيت الله الحرام .. فما أجملها و أروعها وأحلاها ..
رحلةٌ قصيرةٌ بالساعات من أطهر وأنقى رحلات العُمُر ...
أيام كنا جميعاً كما يقال ( في الهوا سوا ) ...!
التقوى تجمعنا ومحاسن الأخلاق والمبادئ والقيم تجمعنا و تحوينا ...
لافرق بين هذا وذاك إلا بالتقوى والعلم والأدب ...
ولا بالأحساب ولا الأنساب أو الألوان والعدد ...!
رحلةٌ جميلة لن ولن تُنسى مهما طال او قَصُر العُمُر ...
أيامٌ صافية نقية ممزوجة بالحب والصدق و الأمانة والإخلاص والتُقى ...
رحلةٌ نمشيها على الأقدام من ريع ذاخر إلى الحرم ولا نَملُ منها ولا نَكلُ ولا نتعب ...
ونصلي المغرب والعشاء ونشرب ماء زمزم من الدورق في حصوة الحرم ...
وفي الطريق نَمرُّ على الجميزة والجعفرية والخريق وبرحة الرشيدي والحجون والسليمانية و الفلق و الحلقة القديمة وشعب عامر وشعب علي و المدعى وزقاق الوزير والقشاشية والغزة وسوق الليل والمروة مروراً للحرم ...
ولا ننسى مراكز العُمد عامرةٌ دائماً بالرفقة الناصحة لحل المشاكل والنصح والصحبة الطيبة ..
من مركاز .. بن ربيقان لعبدالله أبو الريش .. لمركاز عم عبدالله بصنوي وغيرهم من العُمد من الرجال الأوفياء من أهل مكة وما جاورها من الهِجرِ و القُرى ... فما أحلاها من رحلة ..!
 وختام ذهابها ورد طائفي و مسك وكادي وعنبر و حَمَامُ الحرم يحوم حول الكعبة وصلاة مفروضة وسُنن في بيت الله مع شربةٍ ماءٍ هنية من دورق زمزم بماء الورد والكادي مُبخر بالمستكا في حصوةٍ ترتاح فيها النفس كأنها قطعةٌ من الجنة أمام الكعبة في أرض الحرم ...
 أما (رحلة العودة) .. فمشياً على الأقدام نعود كما أتينا وكأننا من السعادة التي نحنُ فيها نستقل سيارة -رولز رايس- والجو صفاء والفخر لنا .. ثُم نَمرُّ على الحلقة القديمة ونشتري الخربز وعلى دكان أبو نار ونشتري الشُريك أبو سمسم و الحلاوة الطحينية والمفروكة والجبن البلدي والزيتون عين الجمل واللدو واللبنية ثم المطبق من العم محمد شرف أو السندي مالح وحلو .. وبعدها نَفرُش سفرتنا الهنية على سطوحنا الشرحة الوسيعة التي تعلوها السماء بزرقتها الخلابة ونجومها اللامعة وضياء القمر ونتعشى كلنا عائلة كاملة في حالةٍ إلزامية ولا يتأخر فيها احد .. وبعدها ننام نومةً هنية ما فيها سهر مرتاحي البال بدون واتس أب ولا إنستقرام ولا تلجرام أو ماسنجر وفيس بوك وتويتر وخلافه من قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة التي غزت عقول الشباب ودمرتها .. ثم بعدها نُصبح بخير ونفك الناموسية ونفطر فول ممزوج بالسمن البري وتميس وحليب طازج وشاهي ربيع مع تفاحة حمراء أمريكية المنشأ .. ولا تقول لي ياصاحبي كروسون أو فطائر جبنة وقهوة تركية أو أمريكية مع صورة سلفي للشهرة الواهية الكاذبة الملتوية وأكثرهم بصدق وأمانة لا يفقه شيء ولا يستطيع أن يفرق بين الكابتشينو والنسكافيه والقهوة الملوزة الحلو واللاتيه ولبن الزبادي و المهلبية ..
وأخيراً : كيف أنسى ذكرياتي وهي قصة حبي وأحلام حياتي ..؟! كما صورها الشاعر المبدع أحمد رامي :
ذِكرياتٌ داعَبَتْ فِكري وظَنِّي ..
لستُ أدرِي أيُّها أقرَبُ مِنِّي 
هِيَ في سَمْعِي على طُولِ المَدى ..
نَغَمٌ يَنسابُ في لَحنٍ أغَنِّ
بينَ شَدْوٍ وحَنينْ
وبُكاءٍ وأنِينْ ..
كيفَ أنساها وسَمْعِي
لَمْ يَزَلْ يذكُرُ دَمعِي 
وأنا أبكِي معَ اللَّحنِ الحَزِينْ ..
فكيف أنسى أحلى ذكرياتي ..؟!