|

التفاؤل المحبط ..

الكاتب : الحدث 2024-01-08 08:07:01

بقلم : عثمان الأهدل
---------------------


التفاؤل صفة محمودة، و لولاه لما استقرت حياة الناس، فهو اكسير الحياة، فقد قيل في الأثر ؛"تفائلوا  بالخير تجدوه"، وقد قال رجُلٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ ؟ قال : "اعقِلْها وتوكَّلْ". وفي المقابل قد يكون التفاؤل سلاح ذو حدين قد يؤذي صاحبه إن زاد عن حده، فيغدو تفاؤلًا مذمومًا. فكم من البشر كان مصيرهم الإفلاس، مُتّبعين منهج "خليها على الله"، وكأن الله طلب منهم تنحية عقولهم دون حسبان ولا تفكير، فهذا منهج التواكل، ترك الأسباب بالتقاعس عن القيام بالأعمال ومتابعتها بحجة الاتكال على الله أو على الآخرين في قضائها تكاسلًا .. وقد يقول قائلًا ، أن التوفيق بيد الله وحده وأن الفشل مكتوب. نعم لا شك في ذلك، أن كل أمورنا هي بمشيئته سبحانه، و قد كَتَبَ كل ما نفعله وما سنفعله قبل أن نُخلق، فهو عالم الغيب والشهادة، وهو الذي خلق عقولنا نتدبر بها الحياة، وأمرنا الأخذ بالأسباب، و لا يرضى لنا أن نقبع في قيعان الأرض ومستنقعاتها ، ولا يريد لنا الفقر، وإلّا أين عدله جل في علاه. فلا يجوز تعليق فشلنا على شماعة المكتوب فهذا اجحاف ونكران بأفضاله التي لا تُحصى .. وقد قال سبحانه؛ {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}، يعني حرر عقل الإنسان من التبعية وجعله خليفة في الأرض مخيرًا في تصرفاته إما أنه يؤمن ويصبح من جند الله أو يكفر ويصبح من جند الشيطان ..
وما أكثر الناس الذين فشلوا حتى استقر بهم الوضع في نادي الإفلاس والاحباط نتيجة الافراط في التفاؤل وعدم مراعاة الاسباب التي تدعو إلى التأمل والبحث نحو خطوات النجاح .. فالكثير منهم يعيشون الحياة كيفما اتفق لا يدركون أهمية الدراسات والبحوث الفعلية من الواقع الميداني وليس من واقع القص واللصق كما تفعل بعض المكاتب التي تدّعي أنها هيئة استشارية ظالمة لنفسها ولغيرها .. فالنجاح هو الذي يتم تأسيسه على دلائل محسوبة ..
وأفضل الدراسات هي التي يجتهد فيها أصحابها بأنفسهم، من واقع عملي بسيط يحددون اركان استثمارتهم فيها بدقة، وإن تطلب منهم الأمر حضور دورات تدريبية تطورهم لتجعل منهم قادرين على تأسيس المشاريع وتشغيلها وعمل دراسات ميدانية .. والأخطر تفاؤلًا هو ذلك الناتج من شحن مدربي تطوير الذات، الذين يبثون الأمل بقوة في نفوس مستمعيهم حتى يخيل لهم أنهم صعدوا على بساط الريح ينقلهم إلى عالم الأحلام، وما يلبثوا إلّا بعد حين يدب اليأس في نفوسهم يهبط بهم في هاوية الاحباط الشديد .. فهؤلاء المدربين هداهم الله ينفخون الناس بالتفاؤل الخاوي دون تدريبهم على أدوات مناسبة تعمل على تحقيق الآمال التي يبثونها .. وما دفعني إلى كتابة مقالي هذا، إلا لحجم الخسائر التي اراها تحدث بالسوق وخروج الكثير من قطار الاقتصاد إلى قطار الإفلاس، وكل ذلك سببه عدم الأخذ بالأسباب والاحتياط من المخاطر جراء الجهل بالشيء، فمن المعلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه، هذا مثل واقع وحقيقي لمثل هذه الظروف. وتدل الاحصاءات على الأرقام المفجعة للشركات أو المحلات الاستثمارية التي تتهاوى تباعًا، لعدم قدرتها على عمل توازن بين الطلب والعرض، وينشأ عن ذلك فقدان وظائف تعيل أسر وتساهم في عجلة الاقتصاد .. السوق لم يعد كسابق عهده، كانت تجري فيه الأمور ببساطة وسهولة، والآن زادت التحديات التي إن لم تؤخذ في الحسبان تكون العائق الأكبر في تحقيق النجاح.