|

ما كُل بارقة تجود بمائها ..!

الكاتب : الحدث 2024-02-27 10:53:32

الكاتبة: شفياء الأسمري
----------------------- 


نخطئ عندما نعتبر المظاهر الخارجية هي حقيقة الآخر وجوهره الداخلي ، فلقد انغمسنا في المظاهر حتى قتلنا مشاعرنا الإنسانية، ولم نترك لذواتنا فرصة استكشاف ما حولنا من البشر ونواياهم وما نحسه ونشعر به اتجاههم ، فتبرز لنا مَنْ يحبنا و مَنْ يكرهنا، فلطالما نشعر بالطمأنينة أمام الشخص الذي يمتلك قلبًا جميلاً، ويحدث العكس أمام الشخص الذي يمتلك قلبًا سيئًا، والأخطر في هذا كله، تطبيق المعادلة على مَنْ نعيش معهم من البشر ، إذ أن كثير منا يقع ضحية الإعجاب بالمظهر، ضحية الحكم على الشكل، في وقت حين تقترب أكثر من الشخص، وتكتشف تفاصيل أكثر عنه، قد ينتهي بك المطاف إلى "الصدمة الموجعة" إزاءها وقد تتخذ قرارًا حاسمًا بالابتعاد عن هذا الشخص، أو قطع علاقتك نهائيًا به وإلغائه من حياتك، أو قد تستمر في علاقتك معه بأسلوب الذي يتجرع السم، حاله حال المعجب بوردة المحمدي فأنت ممسك بساقها المليء بالأشواك، وبالتالي الدم يقطر من يديك،وقد ينطبق هذا التشبيه على كثير من الأمور في حياتك ،فمثل  السيارات كمثال قريب للناس، الإعجاب بسيارة شكلها جميل، لكن تصنيعها في مصنع ليس بجودة صناعة السيارات المعروفة بجودتها، بالتالي أنت تحصل على الشكل، لكنك ستفتقر -عاجلاً أم آجلاً- الأداء والجودة،
تعرَّف على الإنسان جيدًا من الداخل وعاشره ، وكنْ على دارية به ولا تأخذ بالمظاهر لأنها غالبًا ماتكون خادعة،
فاليوم في المجتمعات وقعنا فريسة خدعة "البريستيج" الذي يهتم به معظم الناس ويبدأ الأمر من أصغر التفاصيل إلى أكبرها ، وبات يشكل هوسًا على كافة الأصعدة ،فمثال ذلك النساء والهوس بالجمال حتى باتت مؤخرًا عمليات التجميل جزءًا مهمًا في حياتها ومن أهم مكملات المرأة، بعد أن سجلتْ هذه العمليات رواجًا واسعًا في العالم وهي في زيادة مستمرة حيث بلغت ذروتها خلال العقود الثلاث الماضية.
"حب المظاهر" له معايير معينة يفرضها الإنسان على نفسه أو يفرضها عليه المجتمع المباشر المحيط به، و يدل على عدم كمال نفسية الإنسان أو على قصور في ذاته يغطيها بالـبريستيج وهو المرض النفسي العضال ، وقد  أرجع علماء النفس الاهتمام بالمظاهر أو حب الظهور لمرض نفسي نتيجة الاحساس بعقدة النقص ممن هم أعلى من المستوى ، و يرجع السبب الأساسي إلى قلة الإيمان بالله و عدم الرضا الكامل بقضاء الله و بالنصيب ، وإن محبوُ المظاهر يعيشون في قلق مستمر و توتر دائم ، وتأخذ التعاسة والهم منهم كل مأخذ، و قد يضطرون أحيانًا لارتكاب بعض جرائم الاختلاس و السرقه لمجاراة المظاهر الكاذبة ، فلماذا نضع أنفسنا في هذا الدوامة والله سبحانه وتعالى تكفل لنا بالقبول ومحبة الناس لنا ولا يتم ذلك إلا بالصدق مع الله ثم الرضا التام عن حياتك وذاتك ..
وإن هوس البرستيج لم يكن فقط لدى النساء فحسب بل شمل الرجال أيضًا فهناك من يلجأ للاقتراض لشراء سيارة على أحدث موديل فقط لأن صديقه من عائلة فلان يملك مثلها، وهناك من ينفق مئات الألوف على إقامة حفل زواج تشهد له كل العائلات و تبذخ و تسرف و يكلف نفسه فوق طاقتها فقط لأنهم ليسوا بأقل مستوى من هذه العائلة و تلك، و هناك مَنْ يقصر على أولاده ليوفر تكاليف سفره إلى إحدى الدول الأوروبية ، لم لا وأصدقاؤه بالعمل ليسوا بأفضل منه، و هناك و هناك، حالات يطول الحديث لذكرها، ارحموا أنفسكم من هذه المظاهر فإنها قاتلة لمتعة الحياة البسيطة ولما خلقنا له، تصالحوا مع ذواتكم، لعلاج هذه المأساة ربما تحتاج إلى وقت قصير أو طويل، ولكن كله يعود إلى حسب شخصيتك واستعداداتك النفسية،  وكم أنت مقتنع بهذا الأمر أم لا، وأن تكون لك إرادة جدية للعلاج وغير مستسلم لفكرة البرستيج القاتلة..
و أخيرًا : للأسف نعيش اليوم عصرًا اختلت فيه القيم، وأصبح باطلها حاكمًا على الحق واختلت فيه كثير من المفاهيم لدى البعض، وقلَّ التوجه الذاتي للوضوح والصراحة، وانتشرت بعض القواعد والسلوكيات المشوشة التي تشجع على الغموض والتناقض في كثير من التصرفات فكنْ أنت حكم لنفسك، وهذا معنى قول العرب ( ما كُلُّ بَارِقَةٍ تَجُودُ بمائها ) أي "ما كُلُّ غيمة تَبْرُقُ يمكن أن تجود بمائها"، وهذا يُضرب في (التحذير من الانخداع بالمظهر وعدم البحث عن الحقيقة).