|

مات غازي وما زال بيننا حيًا

الكاتب : الحدث 2024-03-16 02:21:10

 

بقلم ـ محمد بن سعيد آل درمة

الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي‬ توفي يوم الخامس من رمضان عام ١٤٣١هـ الموافق ١٥ أغسطس ٢٠١٠م، غازي القصيبي الإنسان والوزير والدبلوماسي والكاتب والروائي والشاعر، كان رحمه الله سبّاقًا وأول مسؤول سعودي يسل قلمه ويدافع عن دينه ووطنه وأهله في نقد ظاهرة الجماعات الحزبية والتيارات المتأسلمة الإرهابية وكشفها وفضحها، وأول من نزع القداسة الكهنوتية عن تلك الجماعات وقادتها، وألهب ثورة العقل ضد فكر الصحوة ورؤوسها عندما نشر رسائله في هيئة مقالات "حتى لا تكون فتنة"، التي جمعها فيما بعد في كتاب، كان يرد فيها على بعض المشايخ من إخوان وسرورية الذين هاجموه في بعض خطبهم ومقالاتهم متهمينه بالعلمانية، فانبرى في مقالات للدفاع عن الوطن وحرية وكرامة الإنسان السعودي، وهم انتصبوا لتعظيم حزبهم وقادته وخداع العامة.

‏رحم الله غازي فقد أثبت التاريخ والحاضر صدقه وكذبهم نزاهته وحبه لوطنه وعمالتهم لدول وتنظيمات سياسية خارجية، كان غازي لا يخاف في الحق أحدًا، ولا يجامل ولا يهادن في قول الحقيقة كائنًا من كان، كان قوي الحجة واضح البيان عذب الأسلوب، خوفه على دينه ووطنه جعله يقف ذاك الزمان في وجه تيار الصحوة والصحويين، يوم كان الجميع يهاب ويتحاشى الوقوف في وجه أولئك المندفعين المنتفعين أصحاب الأجندات السياسية والمصالح الحزبية، حين كانت جماهيريتها واسعة وتواجدها وسطوتها تسود في عدد من الوزارات والجهات الحكومية، وتستخدم سلاح التكفير والتفسيق والتبديع ضد مخالفيها، ولم يكن أحد يجرؤ على مواجهتها سواه، ليته كان بيننا اليوم ليرى ويسعد بالحال المزري الذي بلغه فروخ الصحوة وديكتها.

غازي الإنسان بدأ حياته وكفاحه من مدرسة الهداية الإبتدائية بالمحرق في البحرين إلى كرسي الوزير في الرياض، وعندما ترجل عن فرسه كان قد ملأ الدنيا إبداعًا وعطاءً إدارةً وإرادةً شعرًا وأدبًا، هاجمه واختلف معه البعض في بداية حياته العملية وتوفي والجميع متفق معه وعليه، يقول أبا سهيل: "عندما تكون إنسانًا عفويًا قد تقع في مشكلات لم تكن تتوقعها، لأن النقاء الذي بداخلك لم يتوافق مع التلوث الذي تعج به عقول بعض البشر"، ومع ذلك ناقش المخالفين له والمتطاولين عليه بكل أدب وحكمه أقنع بعضهم في حينها واقتنع البقية بعد حينًا من الدهر.

ولو لم يخلف د. غازي القصيبي إرثًا بعد وفاته سوى كتابيه: "حياة في الإدارة" و"الوزير المرافق" (أنصح بقراءتها لمن لم يقرأها بعد)، وقصيدتي: "رسالة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة"، وقصيدة "لورا"، ومقولة: "لو أنفق كل ريال في موقعه لأصبحت أعمدة الإنارة في السعودية‬⁩ من ذهب"، وقوله: "لا يوجد أظرف من المتطرف الذي يطلب اللجوء في الدول الأعظم كفرًا"، حيث وضع رحمه الله إصبعه على الجرح للحال الذي انحدر إليه قطيع التيارات الحزبية إخوان وسرورية الذين فسخوا عباءة التدين التي ارتدوها كذبًا ونفاقًا وهم عبيد أهوائهم وأجنداتهم وأوهامهم، يستعدون ويحرضون ضد بلادهم، لكفته وأبقت ذكره ملء السمع والبصر حتى قيام الساعة، ومن كان لديه إرث جميل يتركه بعد رحيله مثل غازي فهو لم يرحل قط بل يعيش بيننا في قلوبنا وعقولنا و‬⁩أثره وعلمه وكتبه باقية في وجداننا، رحم الله غازي كان رجل بألف رجل، وكم من رجل يعد بألف رجل وكم من ألف يمر بلا تعداد.