|

نسبة وتناسب ..

الكاتب : الحدث 2024-06-11 12:30:41

بقلم✍️ نهاد فاروق قدسي 


الواقعية .. المنطقية .. العقلانية .. جميعها سمات تهتم بوصف الأشياء كما هي على أرض الواقع ، بل هي جزء لا ينفصل عن الواقع .. مصطلحات تصوِّر لنا الجوهر الداخلي للأشياء دون النظر بمثالية وفانتازية ؛ لذا يتطلب منا أن نضع في حسباننا ظروف الواقع المحيطة بنا وتحدياته وعوائقه ، وأن لا نتخطى حدوده حتى لاتزل أقدامنا إلى عالم مجهول ..

أن نكون واقعيين أي أن نتجرد من المثالية واللهث وراء الكمال المطلق ، والمبالغة في رفع أسقف التوقعات والمعايير بصورة مفرطة ؛ للوصول إلى حياة كاملة بلا فشل أو عيوب أو خلل ، فإرهاق النفس والزجُّ بها في سباقات محمومة ومرهقة للوصول إلى قمة الهرم بلا تقبل إلى فكرة "إمكانية الوقوع في الخطأ" ، يعد عبئًا كبيرًا بحد ذاته يرخي بثقله علينا ، ويستنزف قواتنا ويهدر أوقاتنا ، وغالبًا مايؤدي بنا في نهاية المطاف إلى الإصابة بالإحباط وخيبة الأمل ..

فنحن في حقيقة الأمر بشر ولسنا ملائكة ، ولانعيش في المدينة الأفلاطونية الفاضلة .. نحن نصيب ونخطئ .. ننجح ونفشل .. نخاف ونأمن .. نقوى ونضعف .. نضحك ونبكي .. نصبر ونجزع .. نتأمل ونتألم .. لا أحدٌ منا كامل ، والجميع لديه زلات ويرتكب الكثير من الهفوات ، والكمال صفة مطلقة لله عزوجل ، فالسعي للمضي في رحلة الحياة بلا فشل أو خطأ ، والرتم العالي في بناء التوقعات تعد مثالية زائفة ، وخطر يهدد تطلعاتنا ويسحق بسعاداتنا ، ويسلبنا الطمأنينة والراحة .

لاضير أن نخطئ ، وإن أخطأنا ليس بكارثة كبرى فهذه طبيعة البشر ، بل هي طبيعة الحياة بأكملها ، وهذه هي سنة الحياة المليئة بالمتناقضات: الإيجابي والسلبي .. الجميل والقبيح .. الجيد والسيء.. الهادئ والعاصف .. وحتمًا سنشهد حقائق مؤلمة و أحداث سارة ، ونرى قدوات تعلو وقامات تهوي ، يأتي أناس ويذهب آخرون .. وكما قال أرسطو: "السعادة الحقيقية تاجها الاعتدال ، الذي يسوده العقل وهكذا تصبح الفضلية وسط بين نقيضين ، فلا عجب من ذلك ، بل نتجاوز ونسير في دروب الحياة برضا وتسليم .. 

فلندرِّب أنفسنا لمعرفة مدى الخطأ ، ونتحمل مسؤوليّته ومسؤلية تصحيحه، و ندع تلك الأخطاء تكون لنا دروسًا وتجارباً مفيدة نتعلَّم منها في رحلة حياتنا ، فإن أصبنا فمن الله ، وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان، ولنشرّع أبواب الأمل في نفوسنا ، ونؤمن بأن أخطائنا هي فرص لبدايات أفضل وأجمل .. 

ولنسعَ لكبح نزعاتنا المثالية التي لاتتقن سوى فن سرقة أجمل لحظاتنا ، ولننظر لأنفسنا بعين الرحمة والشفقة .. فلا لجلد الذات.. ولا للنقد اللاذع للنفس .. ولا لتحميلها فوق طاقتها "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" .. 
 
ولنمضِ في حياتنا متصالحين مع أنفسنا ولا بأس ببعض الأخطاء فهي ليست نهاية العالم .. ولنُقْبِل على حياتنا بصدر رحب ، ونتقبَّل واقعنا بكافة أطيافه دون شروط أو قيود، ونتقبل مَنْ حولنا على اختلافهم ونؤمن بتقلباتهم .. نتواجه مع الصدمات .. ونواجه الصعوبات .. ننحني للتحديات حتى تنال منا وننال منها ..

إن نفذ شاحن طاقتنا وانطفأت أنفسنا فلا مشكلة ؛ لأننا سرعان مانقوم بشحنها بنسبة 100% ونعاود الحراك وتستمر الحياة ، و أن تزلُّ أقدامنا بعد ثبوتها ليس بالأمر الخطير ؛ لأننا سرعان مانتدارك ونعود ونقف بكل ثبات ويقين ؛لترميم أنفسنا والنهوض مرة أخرى، وإن لم تنجح الخطّة من المحاولة الأولى سنظل نكرر ونكرر المحاولة .. نستسلم تارةً ونقاوم تارةً أخرى إلى أن نتمكن من تحقيق النجاح الذي نطمح إليه .. فلتكن حياتنا متوزانة .. نسبة وتناسب .. لا ضرر ولاضرار ..