|

ضرورة و ليست رفاهية

الكاتب : الحدث 2021-07-01 04:21:08

حينما ترى فتاة شابة لا يتجاوز عمرها السادسة عشر عام ، تمارس العمل التطوعي في جمعية خيرية تابعة للشؤون الإجتماعية و هي تصطحب معها جهاز لقياس مستوى السكر في الدم حيث أنها مصابة بالسكر منذ أعوام ، فلا شك أنك بجانب فخرك و إعتزازك بهذه النماذج الشابة المعطاءة في وطننا العربي ستجد نفسك أمام تطبيق عملي و واقعي يؤكد على أن ما يحصده المتطوع على المستوى الشخصي من منافع أكثر بكثير مما يقدمه من وقته و جهده لمساعدة الآخرين.
فالتطوع يرفع من الروح المعنوية للمتطوع و يُشعره بأهميته و أثره الإيجابي في مجتمعه ، و يُكسبه العديد من المهارات و الخبرات التي تنتقل إليه من خلال تواصله مع ذوي الخبرة من قيادات العمل التطوعي. كما يُعد المناخ التطوعي بمثابة بيئة صحية للتعرف على أصدقاء من ذوي الأهداف النبيلة الموجهة لخدمة وطنهم ، تلك البيئة التي تحمي المتطوع من رفاق السوء و مخاطر رفقتهم على المستوى الشخصي و المجتمعي ، و هي أيضاً تبث روح التعاون والتآلف و التعاطف و الإيثار و التماسك بين أفراد المجتمع ، بالإضافة إلى رفع مستوى الإدراك لدى المتطوع بأهمية و قيمة الوقت و كيفية إستثماره فيما يفيد و يعود بالنفع على الآخرين.
إن ممارسة الأعمال التطوعية تحمي الفرد من الوقوع فريسة لبعض الأمراض النفسية التي تنجم عن الشعور بالوحدة أو الفراغ. بل إن هناك تأكيد من العديد من الدراسات على فائدة العمل التطوعي في تعزيز الصحة البدنية و العقلية للفرد. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أشارت دراسة قامت بها جامعة ساوثهامبتون في بريطانيا عام 2016م على أفراد بالغين من 5000 أسرة إلى أن الشخص الذي يقوم بعمل تطوعي يتمتع بصحة عقلية أفضل مقارنة بغيره ممن لا يقوم بذلك. 
و لأن ممارسة الأعمال التطوعية هي ضرورة و ليست رفاهية، نجد الإهتمام بها في جميع دول العالم ، فما يقرب من 30% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية يمارسونها ، و 45% من الألمان الذين تزيد أعمارهم عن خمسة عشر عام يساهمون فيها ، كما يوجد في بريطانيا أكثر من 20 مليون شخص يمارسونها بشكل منظم.
و على الصعيد العربي ، أشار التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة التطوعي لعام 2018م بأن هناك ما يقرب من 9 مليون متطوع في عالمنا العربي. و من المتوقع زيادة هذا العدد في التقارير الحديثة و الإحصاءات المهتمة برصد العمل التطوعي.
و أنواع الأعمال التطوعية كثيرة ، و يمكن لأي إنسان أن يمارس العمل التطوعي وفقاً لظروفه و مسؤولياته ، فالتطوع قد يكون بالوقت أو الجهد أو المال أو التدريس أو التدريب ... إلخ .
و كلما إجتهدنا في غرس ثقافة العمل التطوعي في مراحل عمرية مبكرة ، و شجعنا المتطوعين من صغار السن على ممارسة التطوع ، كلما نشأت أجيال مثقفة و واعية و محبة لأوطانها و منتمية لها. و كلما إجتهدنا جميعاً في ممارسة الأعمال التطوعية ، كلما باتت مجتمعاتنا أكثر تماسكاً و إنتاجية و إيجابية و فاعلية على الصعيدين المحلي و الدولي.

 

د/فاطمة تقي الدين