|

الإنسان الهامستر !

الكاتب : الحدث 2025-04-26 10:20:42

علي بن أحمد الزبيدي 


في خضم الحياة الصاخبة، وبين متاهات الروتين اليومي، قد يجد المرء نفسه أسيراً لدائرة مفرغة من التكرار، أشبه ما يكون بهامستر يدور بلا كلل في قفصه. 
يستيقظ، يؤدي واجباته، يعود أدراجه، وهكذا دواليك، يومًا بعد يوم، دون تغيير يذكر أو بصيص أمل في الخروج من هذه الدوامة الرتيبة.
هذا الإنسان "الهامستر" ليس بالضرورة شخصًا كسولًا أو غير طموح.
 قد يكون مجتهدًا في عمله، ملتزمًا بمسؤولياته، لكنه ببساطة عالق في نمط حياة لا يفسح المجال للتجديد أو النمو. 

إنها حياة تخلو من المغامرة، الشغف، أو حتى تلك اللحظات الصغيرة غير المتوقعة التي تضفي نكهة على أيامنا.

تبدأ القصة عادةً بخطوات صغيرة، ربما بسبب ضغوط الحياة، أو الخوف من المجهول، أو حتى مجرد الاستسلام لإيقاع المجتمع الذي يفضل الاستقرار على التغيير. ومع مرور الوقت، تتصلب هذه الخطوات لتصبح مسارًا ثابتًا، وحينها يصبح الخروج منه أمرًا شاقًا إن لم يكن مستحيلاً في نظر البعض.

تتجلى مظاهر هذه الحياة الهامسترية في جوانب عديدة. على الصعيد المهني، قد يتمثل ذلك في وظيفة روتينية لا تقدم أي تحدٍ أو إلهام، حيث تتكرر المهام والمسؤوليات بشكل ممل. 

على الصعيد الاجتماعي، قد ينحصر الأمر في دائرة ضيقة من الأشخاص والأنشطة المعتادة، دون سعي لتكوين صداقات جديدة أو تجربة تفاعلات مختلفة .
وعلى الصعيد الشخصي، قد يتوقف المرء عن استكشاف هوايات جديدة، أو تطوير مهارات، أو حتى التفكير في أهداف أبعد من متطلبات الغد القريب.

إن الخطر الحقيقي في هذه الحالة ليس فقط الملل أو الشعور بالضياع، بل أيضًا فقدان الإحساس بالوقت والقيمة .
عندما تتشابه الأيام إلى حد التطابق، يصبح من الصعب تتبع الإنجازات أو حتى تذكر الأحداث المميزة. 
تتلاشى الفروقات الدقيقة بين يوم وآخر، ويصبح العمر مجرد سلسلة متصلة من اللحظات المتشابهة التي لا تترك أثرًا ذا مغزى.
ولكن، هل هذه هي النهاية المحتومة؟ هل قدر الإنسان أن يدور في حلقة مفرغة إلى الأبد؟ الإجابة بلا شك هي "لا". 
صحيح أن الخروج من منطقة الراحة قد يكون مخيفًا، وأن التغيير يتطلب جهدًا وإرادة، لكنه يبقى ممكنًا.

الخطوة الأولى نحو التحرر من هذه الحياة الهامسترية تبدأ بالوعي والإدراك. 
يجب على المرء أن يعترف بأنه عالق في هذا النمط، وأن يشعر بالرغبة الحقيقية في التغيير. بدون هذه الشرارة الداخلية، ستبقى أي محاولة خارجية مجرد مسكن مؤقت.
بعد ذلك، يأتي دور التساؤل والبحث عن المعنى. ما الذي يمنح حياتي قيمة؟ ما هي الأشياء التي تثير شغفي؟ ما هي الأهداف التي أرغب في تحقيقها؟ هذه الأسئلة الأساسية تساعد في تحديد الاتجاه وكسر حالة الضبابية التي تخيم على الروتين اليومي.
قد يتطلب الأمر أيضًا بعض الجرأة لتجربة أشياء جديدة، سواء كانت بسيطة مثل قراءة كتاب في مجال مختلف، أو الذهاب إلى مكان لم يزره من قبل، أو حتى إجراء محادثة مع شخص غريب.
 هذه التجارب الصغيرة يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة وتكسر جمود الروتين.
لا شك أن التغيير الحقيقي يتطلب وقتًا وجهدًا مستمرين. 
قد يواجه المرء بعض النكسات أو يشعر بالإحباط في بعض الأحيان، لكن المهم هو عدم الاستسلام والمضي قدمًا بخطوات ثابتة نحو الهدف المنشود.
في النهاية، الحياة ليست مجرد سلسلة من الأيام المتكررة، بل هي رحلة فريدة مليئة بالإمكانيات والتجارب المتنوعة. 
همسة الختام :
إن التحرر من حياة الهامستر ليس رفاهية، بل هو ضرورة للحفاظ على الروح حية، والشعور بالرضا والإنجاز، وترك بصمة ذات معنى في هذا العالم . 
فلنكسر قفص الروتين، ولننطلق نحو حياة أكثر ثراءً وإشراقًا.