باحثون في علم مكافحة الإرهاب يكشفون «بصمة الهوية الفكرية»..
بقلم : البروفيسور ــ تركي بن عبيد
----------------------------------
كيف يُقاس ميل الفرد نحو التطرف قبل أن يتحول إلى فعل؟!
ففي تطور لافت من الباحثون في علم مكافحة الإرهاب والتطرف بدأ باحثون ومراكز دراسات أمنية عربية ودولية بتطوير أدوات علمية دقيقة قادرة على قياس «الاتجاهات النظرية» لدى الأفراد، وتحديد مسارات تشكُّل الهوية الفكرية في مراحل مبكرة جداً، قبل أن تتحول إلى سلوك متطرف أو عنيف.
«لم نعد ننتظر الفعل الإرهابي لنبدأ التحقيق.
اليوم نستطيع رسم خريطة فكرية للشخص من خلال تحليل أنماط لغته، اهتماماته الرقمية، دوائر علاقاته الافتراضية، وحتى التغيرات الطفيفة في خطابه اليومي. هذه البيانات تُشكّل ما نُطلق عليه «البصمة الفكرية» (Ideological Fingerprint).»
كيف يتم القياس فعلياً؟
وفقاً لورقة بحثية مشتركة صدرت هذا الشهر بين مركز الملك فيصل للدراسات وجامعة جورجتاون، فإن الأدوات الحديثة تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية:
1. تحليل اللغة التنبؤي (Predictive Linguistics)
يتم رصد الكلمات والتعبيرات التي تشير إلى «ازدواجية الهوية» أو «الانفصال عن الذات الجماعية»، مثل التحول من ضمير «نحن» إلى «هم» عند الحديث عن المجتمع.
2. قياس درجة «الاستقطاب العاطفي»
عبر خوارزميات تعلم آلي تقيس شدة المشاعر السلبية المرتبطة بفئات معينة (طائفة، جنسية، عرق)، ومدى تكرار ظهورها.
3. شبكة العلاقات الرقمية (Digital Social Mapping)
تحليل الأشخاص والصفحات والمجموعات التي يتفاعل معها الفرد، وتصنيفها وفق مقياس «خطورة فكرية» تم تطويره بالتعاون مع خبراء سابقين في مكافحة الإرهاب.
نتائج ميدانية مبشرة
في تجربة سرية أجرتها إحدى الدول الخليجية خلال العامين الماضيين، تم رصد ٤٨٧ حالة في مرحلة «التهيئة الفكرية» قبل أي تواصل مباشر مع تنظيمات إرهابية. تم توجيه ٨٢٪ منهم إلى برامج إعادة تأهيل فكري مبكر، وأظهرت المتابعة انخفاضاً بنسبة ٩١٪ في احتمالية الانزلاق نحو التطرف العنيف.
حماية «الأمن الفكري».. المصطلح الجديد
«الأمن الفكري ليس رفاهية، بل ركيزة أساسية للأمن الوطني. اليوم نملك القدرة على اكتشاف الخلل الفكري كما نكتشف الخلل الأمني، وهذا يعني أننا نستطيع منع الجريمة قبل وقوعها بسنوات.»
مخاوف أخلاقية
مع ذلك، حذّر حقوقيون من مخاطر إساءة استخدام هذه الأدوات. المحامي والناشط الحقوقي طارق العميري علّق:
«من دون ضوابط قانونية صارمة وشفافية كاملة، قد تتحول هذه التقنيات إلى أداة قمعية تُصنّف الناس بناءً على أفكارهم لا أفعالهم.»
ختاماً:
في الوقت الذي يسابق فيه العالم الزمن لفهم الإرهاب قبل وقوعه، يبدو أن المعركة انتقلت من الشوارع والحدود إلى داخل عقول البشر. السؤال الآن لم يعد: متى سيضرب الإرهابي؟ بل: متى سنعرف أن شخصاً ما بدأ يفكر بطريقة قد تقوده إلى الإرهاب؟