"الصديق الصالح ؛ هو النعيم المعجَّل"
بقلم: جبران بن عمر
يُقال إنّ الصداقة كنز لا يفنى، ولكن ليست كلّ صداقة تُعدُّ كنزًا، فبعضها عبءٌ ثقيل، وبعضها الآخر نِعمةٌ تُعجّل لصاحبها في دنياه قبل أُخراه. ومن أعظم هذه النِّعم، الصديق الصالح الذي يكون في حياتك سراجًا يُضيء لك طريق الخير، ويصدّ عنك دروب الشر..
الصديق الصالح هو ذاك الذي يراك على خطأ فينصحك، لا من باب اللوم أو الفوقية، بل من باب المحبة والحرص. يذكّرك بالله في غفلتك، ويعينك على نفسك إذا ضعفت، ويكون معك في الشدّة قبل الرخاء، وفي الغياب قبل الحضور..
وفي عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتبدّل فيه الوجوه والمواقف، تبقى الصداقة الصالحة من أثمن ما يُرزق به الإنسان، فهي من النِّعم المعجَّلة التي يُكرم الله بها عباده الصالحين ؛ فالصديق الصالح ليس مجرد رفيقٍ في طريق، بل هو نِعمة تُنير دربك بالحق، وتعينك على الثبات في زمن الفتن والتقلبات ، إن الصديق الصالح هو الذي يراك على خطأ فيذكّرك برفق، ويُبصّرك بعيبك دون أن يجرحك، ويذكّرك بالله حين تغفل، ويدعو لك في ظهر الغيب ، وجوده أمان، وصحبته صلاح، وكلماته تزرع الطمأنينة في قلبك كما يزرع المطر حياةً في الأرض العطشى..
قال النبي ﷺ: [ المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل] ..
وفي هذا توجيه نبوي عظيم يؤكد أن الصداقة ليست ترفًا اجتماعيًا، بل هي مسؤولية واختيار مصيري، لأن الخليل يترك أثرًا في دين صاحبه وسلوكه واتجاهاته..
وفي زمنٍ تكثر فيه العلاقات المصلحية والمظاهر الخادعة، يظل الصديق الصالح نادرًا كالجوهرة، لا يُقاس بعدد اللقاءات، بل بصدق المواقف ونقاء القلب ، فهو الذي يفرح بنجاحك، ويُسرك بابتسامته، ويؤازرك في ضعفك قبل قوتك، ويكون لك سندًا لا يتبدل مهما تبدلت الظروف..
إن الصديق الصالح نعيم معجَّل في الدنيا، يُعينك على عبور الحياة بسلامٍ وثبات، ويدلّك على الجنة بطريق المحبة والإخلاص ، فاحمد الله إن رزقك الله صديقًا كهذا، وتمسّك به، فإنّ العثور على صديقٍ صالح في هذا الزمان، أشبه بكنزٍ لا يُقدّر بثمن ..
في هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم وتبدلت القيم، علينا أن نُحسن الاختيار. فالصديق الصالح لا يُزين الخطأ، ولا يبرر الزلل، بل يقف بجانبك لتكون أفضل، لا ليُرضي غرورك ، هو من يُذكّرك بالله سرًّا وعلانية، ويُحب لك الخير كما يُحبه لنفسه..
إن المحافظة على مثل هذا الصديق الصالح واجب، وشكره من الوفاء، والدعاء له من الإخلاص ، فكما أن الشر يعدي، فإن الخير أيضًا مُعدٍ، وصحبة الصالحين نورٌ يهدي القلوب ويزكي الأرواح..
في زمن الفتن لا تبحث عن كثرة الأصدقاء، بل عن صديقٍ واحدٍ صالح، يعينك على الثبات، ويرفعك إن سقطت، ويذكّرك إذا نسيت ؛ فذلك هو الكنز الحقيقي في دنيا زائلة .