بدعم سعودي: قصر سيئون يستعيد مجده التاريخي في حضرموت

بعد سنوات من التدهور الذي هدد وجوده، يستعيد قصر سيئون التاريخي في حضرموت، شرق اليمن، بريقه الأصلي بفضل جهود البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. يقود البرنامج أعمال ترميم شاملة لإعادة الحياة لهذا المعلم الحضاري، محافظًا على مكانته كشاهد حي على تاريخ يمتد لأكثر من خمسة قرون.
تحفة معمارية عريقة تتجدد
يُعد قصر سيئون تحفة معمارية فريدة تجسد روعة الهندسة المعمارية اليمنية الأصيلة. لطالما اكتسب القصر مكانة رمزية عالية، حتى أنه اختير كواجهة للعملة اليمنية تقديرًا لقيمته التاريخية والثقافية والجمالية.
يتميز هذا الصرح الطيني بموقعه الاستراتيجي على قمة صخرة في قلب مدينة سيئون، ليطل على مدينتي شبام وتريم. ليس هذا فحسب، بل يُصنّف كواحد من أكبر المباني الطينية في العالم، ومعلمًا بارزًا ليس فقط في اليمن بل في العمارة الطينية العالمية.
شُيد القصر في الأصل كحصن منيع لحماية مدينة سيئون، ثم تحول مع مرور الوقت والتعديلات ليصبح المقر الرسمي لسلاطين الدولة الكثيرية الذين حكموا وادي حضرموت، وهو ما أكسبه اسم "قصر السلطان الكثيري".
تحديات وتدخل عاجل
على الرغم من أهميته، لم يسلم القصر من عوامل الزمن والإهمال والأمطار الغزيرة. بلغ التدهور ذروته في عام 2022 عندما سقط جزء كبير من سوره الخارجي، مما أثار قلقًا واسعًا حول مصيره ودفع المجتمع المحلي والسلطات للمطالبة بترميمه.
يصف حسن، أحد القاطنين بالقرب من القصر، قلقهم المستمر في مواسم الأمطار: "لقد عايشنا تفاقم حالة القصر وتدهوره التدريجي، وكنا نخشى لحظة سقوطه الوشيك تحت وطأة الأمطار الغزيرة والإهمال وغياب الصيانة الدورية." ويضيف: "نشهد اليوم عودة الحياة إلى القصر بفضل جهود البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ونشعر بسعادة كبيرة لإنقاذ وحماية هذا المعلم الأثري الذي يمثل جزءًا أصيلًا وهامًا من تاريخنا وهويتنا الحضارية."
تفاصيل مشروع الترميم والدعم الشامل
استجابة لطلب الحكومة اليمنية ودعمًا لجهودها في حماية الآثار، أطلق البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن مشروعًا شاملًا لترميم قصر سيئون. يتم تمويل المشروع من البرنامج وتنفيذ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بالتعاون مع وزارة الثقافة السعودية والهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن، وبدعم لوجستي وفني من الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن.
تضمنت أعمال إعادة التأهيل إصلاح السور الخارجي المتضرر والجدران الطينية التي تشكل الهيكل الأساسي للقصر. كما أُعطيت عناية خاصة لترميم السقوف الخشبية والأبواب والنوافذ المنحوتة التي تعكس براعة الحرفيين اليمنيين. لم يغفل المشروع أهمية الحفاظ على الهوية المعمارية الفريدة للقصر، حيث شملت الأعمال إعادة تأهيل الزخارف والنقوش التقليدية. كما تضمن المشروع تدريب فرق محلية من مهندسين وفنيين على أعمال الترميم الدورية لضمان استدامة الصيانة مستقبلًا.
في تصريح سابق خلال حفل تدشين المشروع في نوفمبر 2022، أكد المشرف العام للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، السفير محمد بن سعيد آل جابر، أن المشروع يهدف إلى حماية القصر كمعلم ومركز ثقافي، وأن الأعمال ستتم بأيدي عاملة يمنية وبالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن.
قصر سيئون: تاريخ، تصميم، ومستقبل
يتكون القصر من سبعة طوابق تضم 96 غرفة متنوعة الأحجام، بما في ذلك 45 غرفة كبيرة و14 مستودعًا، بالإضافة إلى العديد من الملحقات الأخرى. يشكل القصر اليوم مركزًا ثقافيًا مهمًا، حيث يُستخدم جزء منه كمتحف أثري يحوي قطعًا أثرية نادرة وصورًا تعود لآلاف السنين، كما يضم مكتبة عامة تخدم الباحثين والمهتمين بالمعرفة.
استغرق بناء قصر سيئون نحو 15 عامًا، وشُيد على مساحة واسعة تقدر بنحو 5460 مترًا مربعًا باستخدام الطوب اللبن كمادة أساسية. جمع تصميمه الأولي بين مختلف الفنون المعمارية، مما يعكس التنوع الثقافي والفني الذي ساد المنطقة في تلك الحقبة.
يُعد مشروع ترميم قصر سيئون جزءًا من حزمة واسعة تضم 264 مشروعًا ومبادرة تنموية نفذها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في مختلف أنحاء اليمن، تغطي ثمانية قطاعات أساسية وحيوية: التعليم، الصحة، النقل، الطاقة، المياه، الزراعة والثروة السمكية، البرامج التنموية، ودعم وتنمية قدرات الحكومة