|

على عتبة توديع ٢٠١٩ …

2019-12-30 10:24:46

تمر السنون تلو السنون، وكل سنة ترحل تترك فينا بصماتها، وتعيد
تشكيل نظرتنا للحياة، أما عن السنة الماضية فقد علمتني الكثير:
علمتني أن لكل شيء ثمين ضريبة، وضريبة الأهداف السامية تذوق
مرارة الصبر لأجلها، والسير الحثيث نحوها، وإيقاظ الهمة كل يوم
لها، وتحمل عناء الطريق إليها، وأن الظفر بلحظة الوصول، ومعانقة النور، ينسيك كل شقاء العبور…
علمتني أن لا أنظر للألقاب والأسماء والمناصب والشهادات، وأن لا أعول على كل تلك القشور، فقد تهب مع الرياح عندما تختبر في المواقف والمنعطفات، وأن قيمة الإنسان الحقيقية في ما يحمله في أعماقه من مبادئ وقيم وأخلاق؛ فهي حقا الباقية، وما سواها زائل
علمتني أن لغة الأرواح من أقوى اللغات، وصلة الأرواح من أقوى الصلات، وأن التفاهم الروحي يولد من أولى اللحظات، إذ قد تتعارف حينها فتأتلف أو تتناكر فتختلف، وأن عالم أرواح البشر غريب عجيب، وأنه لن يفهمك حقا إلا من امتلك شفرة روحك . ، لا أجد شيء ذو قيمه أقدمة من القلب سوا ” الشكر ” ، شكرا للحلم الذي أبقانا على قيد الحياة، كان يلمع باسما في سماء أرواحنا،
ويعدنا بالكثير، وكلما كاد أن يغلبنا اليأس كان يشحننا بأمل جديد،
ربما غيبته الغيوم أحيانا لكنه يعود ويطل ملوا لنا من بعيد، ترقبناه، انتظرناه،
استهلك أوقاتنا ومشاعرنا، حتى ظننا أنه محض سراب، لكنه في يوم ما اقترب
من أراضينا ومشى إلينا بثقة وهدوء وتؤدة حتى عانقناه، شكرا لك من القلب لأنك
جعلتنا نؤمن أن الأحلام وإن كانت بعيدة فهي ليست بمستحيلة.
شكرا للأوفياء الذين ما زادهم البعد إلا اشتياقا ، وما زادتهم المسافات إلا ربا،
وما زادهم تعاقب السنين إلا إخلالها، شكرا لأنكم معدن أصيل لا يغيره الزمن،
ولأنكم الثابتون عندما مالت الرياح بغيركم، شكرا للزمن عندما أهدانا معرفتكم
وقربكم، فإنكم بحق ثمینون أيها الكرام النبلاء.
شكرا للصعاب التي واجهتنا في الدروب، علمتنا أن لكل بلوغ ضريبة، وضريبة
الأهداف السامية قد يكون التعب والنصب، لكن هذا التعب سيصقلنا ويشد من ظهورنا وسيرينا الوجه الواقعي للحياة وسيعلمنا القيمة الحقيقية لما سنصل إليه، وسنتذوق أخيرا حلاوة بلوغ الأهداف التي ستنسينا كل مرارة واجهتنا.
شكرا للحكايا والتفاصيل التي نخبئها في أعماقنا بعيدا عن الأضواء، نحتفظ بها في
دواخلنا كأثمن الأشياء، هي سر ابتسامتنا بين الزحام، هي عكازنا الذي يسندنا
عندما تثقلنا الأيام، هي ركننا الهادئ عندما يعلو الضجيج، وملاذنا الآمن عندما
يطغى القلق، شكرا لها لأنها كانت لنا خير رفقة في الطريق ، الحياة ثمينة وأخذ الحكمة والعبرة منها أثمن ، و إن أجمل أقدار الحياة قد تحدث صدفة ،
وأن أجمل الصدف لا تكون بتدبيرك، بل بتدبير قوة عظمى تفوق قدرتك، وعندما تتمعن فيها تجد فيها أبجديات قدرك، تتعثر بها دون تخطيط مسبق.. فتجد فيها ضالتك ، شكراً لله الكريم الذي ما خيبنا يوما، شكرا لمعيته التي تلازمنا في كل درب نسلكه،
وتهون علينا كل صعب نواجهه، وتحيل كل وحش إلى أمن وطمأنينة، شكرا للطفه الذي
يغمر أيامنا بالهناء، ويمسح عن قلوبنا الشقاء، شكرا لأنه قريب يرقبنا بعينه التي لاتنام؛ وهذا والله بحد ذاته منتهى الأمان .

🔊