|

إسرائيل و إيران بين المواجهة العلنية ودفء التعاون.

الكاتب : الحدث 2022-03-17 09:17:23

 

كثيرًا ما يطرح الناس سؤالًا، هل إيران أم إسرائيل أكثر خطورة على العالم العربي؟
فحقيقة الأمر أن الوضع أكثر تعقيدًا يدخل فيه العديد من الملابسات يصعُب تحديدها، وخاصة أن حيثيات المسألة تتشابك مع العديد من المواقف التاريخية التي لم تُفهم في وقتها، حتى تبددت لاحقًا بعد أن حدثت أمور عرت تلك الأحداث. فالواقع ما يحدث في الميدان يعطينا دلالة واضحة أن إيران وإسرائيل وجهان للصهيونية العالمية أو بالأحرى تقاطعت مصالحهما في هدم مبادىء الإسلام، ولا سيما إن تمحصنا خطة الغرب التي تم إعدادها عام ١٩٠٧م في مؤتمر كامبل بنرمان الذي عقد في لندن، لأدركنا قضية فلسطين هي قضية لذر الرماد على العيون، وإبعاد العرب عن القضية الجوهرية في تلاحم الشعوب وحكوماتها لتغدو جسدًا واحدًا، وهذا ما يخشاه الغرب.

أما فكرة تكوين دولة إسرائيل للقومية اليهودية بدأ التفكير بها عام ١٨٩٧م وهو التاريخ الذي اُقيم به أول مؤتمر صهيوني برئاسة ثيودور هورتزل، مؤسس الحركة الصهيونية العالمية في مدينة بازل بسويسرا، ولم تكن حينها الأقصى على طاولة الاختيار ولم تكن هدفًا مطروحًا، لم يكن غير أنه مجرد تفكير بناء كيان يهودي يجمع شعبه من الشتات، وكان هناك العديد من الخيارات ولم تكن منطقة فلسطين ضمن خياراتهم اطلاقًا. ولكن مؤتمر كامبل بنرمان والذي عقد عام ١٩٠٥م وامتد إلى ١٩٠٧م كان أخطر مؤتمر على الأمة العربية، فقد اجتمعت فيه عددًا من الدول الغربية، اجمعوا على زرع كيان غريب يعمل على اشعال الفتن في المنطقة واشغالها عن أهدافها الجوهرية، وكان من أبرز من حضر ذلك المؤتمر  بريطانيا وفرنسا، اللتان أخذتا على عاتقهما لاحقًا بعد نخر الدولة العثمانية من الداخل عام ١٩١٦م مهمة رسم خريطة سايكس بيكو التي نتج عنها تمزيق الوطن العربي إلى دويلات، وضعف وخور الدولة العثمانية آنذاك كان سببًا في افتراس الغرب للدول التي كانت تحت نفوذها، وجاء في أحد بنود تلك الوصية بناء كيان سرطاني يعمل على اشغال الكيان العربي الإسلامي عن مضمون جوهره، وزرع الطائفية والمناطقية حتى لا يلتقي المسلمون على كلمة واحدة. 

 ودولة إسرائيل ولدت من التزاوج الغير شرعي بين مؤتمر كامبل بنرمان ومؤتمر بازل، وتم على إثره اختيار فلسطين لتحتضن هذا الكيان اللقيط لعدة اعتبارات، منها أنَّ لَمّ شمل شتات اليهود لن ينجح إلّا بوجود هدف سامي يتمثل في الدين، وتم لذلك تلفيقات وأكاذيب بأحقية اليهود لهذه الأرض، وقصة هجرة اليهود مع نبي الله موسى عليه السلام كانت الحجة التي اُستخدمت كحصان الطروادة، وطبعًا مع إعطاء امتيازات للمهاجرين لم يكن ليحلموا بها في مناطقهم كان الدافع لتدفق اليهود إلى فلسطين، هذه من ناحية.

ومن ناحية أخرى، أن فلسطين منطقة متاخمة لقناة السويس، تربط البحر الأحمر مع البحر المتوسط الأبيض، كما أنها محور رئيس بين غرب وشرق الوطن العربي. بل أنها في قلبه والذي يمتد مساحته من الخليج العربي إلى أقصى غرب أفريقيا، بثروات تحت الأرض واحتياطيات ومصادر مادية هائلة تجعله يتحكم بمفاصل الإقتصاد العالمي. وبغض النظر عن سرد الأحداث والكوارث الذي خلقه هذا الكيان في المنطقة وكان إحداها وأكثرها كارثة حرب ١٩٦٧م، التي انطلت على الشعوب جعلت من صاحبها ايقونة، انخدع بها البسطاء من الأمة بخُطب جوفاء تحمل بين طياتها أكاذيب ومؤامرات، نتج عنها استيلاء إسرائيل على أحد أهم مشعر من شعائرنا المقدسة الذي يُشد إليه الرحال ومعراج سيد الأنام صلوات الله عليه وعلى آله الاطهار. 

أما ظهور الوجه المشوه من دولة إيران التي كانت إمبراطورية يشار إليها بالبنان قبل عملية التجميل المشوهة التي أجراها لها الكيان الصهيوني في أحد غُرف العمليات بفرنسا، كانت إحدى بنود تلك الخطة والتي تمثل زرع الطائفية ونشر راية التشيوع مناهضةً وهدمًا لمبادىء الإسلام الحنيف والذي يشكل عقيدة الغالبية العظمى في الدول العربية والإسلامية. وهذا الكيان القذر لا يخفى عليكم ما أحدثه في المنطقة باسم ثارات الحسين، ولا شك أن جريمة اغتيال الحسين رضي الله عنه كانت فتنة عظيمة، ولكن ليست حجة لقتل الأبرياء من النساء والأطفال وامتدادها لقرون مزقت فيها الأمة وجعلتها تائهةً في أروقة مؤامرات الصهيونية. 

وما يحدث من إيران هو تقاسم الأدوار بينها وبين إسرائيل، يصب ذلك في مصلحة الحكومة العميقة في العالم والتي تمثل "الصهيونية العالمية"، تخدم حفنة من الناس تتحكم بمقدرات العالم اقتصاديًا. وكلنا مُلم بأحداث العراق الأليمة التي شارك في اخراج نصها غباء صدام المستفحل ونظرته الفوقية وشموخه الأهوج دون حكمةً تذكر، كان لإيران في تلك الأحداث دورًا محوريًا من خلف الكواليس قلبت المنطقة رأسًا على عقب، ناهيك عن حجم الخسائر الفادحة في الأرواح والمال التي تكبدها العراق. 

قد يظن البعض أن ما ذكرتهُ هو محضٌ من الافتراء أو رؤية نرجسية لا تمت للحقيقة، ولكن عندما يتبين لهم عوار تلك العلاقة يدركون مدى جرم خديعة إيران بأنها شوكة في حلق العدو ناهيك عن عقيدتها التي تخالف الدين الحنيف جملةً وتفصيلًا، ولا سيما حينما ندرك عن حجم التبادل التجاري والعسكري بينهما في الخفاء وبأدلة وشهود قادة إسرائيل نفسها تتبدد الشكوك. على سبيل الذكر مثلًا أن إسرائيل زودت إيران بالأسلحة أثناء حربها مع العراق لمدة ثمان سنوات حسب تصريحات رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون عام ١٩٨٢م، وامتد التعاون إلى تجهيز سيارة الرئيس الإيراني بمعدات إسرائيلية متخصصة لتحصينها ضد القنابل، ومقابل ذلك قدمت إيران معلومات استخباراتية ساعدت إسرئيل على تدمير المفاعل النووي العراقي حسب تصريح جريدة "ساندي تلغراف" بتاريخ ١٩٨١/٦/١٤م

كما امتد التعاون التجاري بين الدولتين حتى وصل الأمر إلى بناء إنبوب نفط مشترك عرف بـ “إيلات-أشكلون” ، وفي الجانب الآخر سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بشراء نفط من إيران عام ١٩٨٩م رغم الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضًا عليها. ومن جهتها نشرت صحيفة هآرتس عام ١٩٩٨م علاقة إيران بـ "نحوم مانبار" المرتبط بشكل مباشر بالموساد. أما من ناحية التعاون النووي بين إيران وإسرائيل فقد عمل مهندسون إسرائليون مع شركة هولندية في ترميم مفاعل نووي بقرب من مدينة بوشهر الإيرانية حسب تصرياحات جريدة "يديعوت أحرنوت" الإسرائلية، حينها قال أحد المهندسين العاملين بالمشروع نقلا عن الجريدة نفسها "لقد أدهشنا ‏حجم الفجوة بين المواجهة العلنية الإسرائيلية والإيرانية وعمق التعاون التجاري بين الدّولتين".

ليس ذلك فحسب، بل وصل الحجم التجاري بينهما إلى ذروته بمنح ٢٠٠ شركة إسرائلية عقود لبناء المفاعلات النووية الإيرانية، وكان من ضمن هذه الشركات، شركة "أفريكان إسرائيل"، التي قامت بتصدير معدات لازمة ‏لتطوير الوقود النووية، وكذلك "شركة حاييم" التي قامت بتطوير وسائل الإتصال الداخلي في عدد من المفاعلات النووية. كما أن دور إيران في تمزيق النسيج العربي جليًا في المناطق التي أُصيبت بداء الربيع العربي تسهل لإسرائيل لتمارس بحرية مؤامراتها في تلك المناطق.

خلاصة الكلام أن إسرائيل وإيران صدعوا رؤوسنا بالتهديدات المدلسة بضرب بعضهما لأكثر من ثلاثة عقود. وقد صدق جل جلاه حينما قال؛ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا }، والنفاق أشد خطرًا على الأمة، لأنه لايُظهر بواطن العدو الذي يُظهر لك الصلاح وهو يبطن الشر، وهذا ما تمارسه إيران ضدنا كمسلمين نتبع سنة الله ورسوله مستخدمةً مطية آل البيت تدلس بها على البسطاء والسذج، وهي أبعد عن الطهر والصلاح كبعد الشرق عن الغرب، ومن لا يعتقد ذلك إما أن يكون ساذجًا أو متحيزًا لهم ضد إخوانه، وأملي أن تكون الصورة قد اتضحت لكل من يتساءل عن خطورة إيران وخطورة إسرائيل معًا، فكلاهما خنجر في خاصرة الوطن العربي والإسلامي.

 

بقلم : عثمان الاهدل …