(أنا بدعيلك بالمصري وحتخش الجنة بالمصري … أنا أعمى في كل حاجة إلا الفلوس ) هذا المشهد الجميل للفنان عادل إمام وهو يتسول أمام أفخم الأماكن في فلم المتسول الذي أنتج سنة ١٩٨٢ م للمخرج أحمد السبعاوي وبطولة كل من  عادل إمام وإسعاد يونس وسيد زيدان و هياتم  و وحيد سيف و علي الشريف ، دور الفنان عادل إمام الشاب المسكين القادم من الأرياف متجها الى المدينة ( حسنين البرطوشي ) محاولا العثور على عمل بمساعدة خاله ، وفي كل مرة يفشل في التأقلم مع المدنية فيحاول خاله إعادته الى الأرياف مسقط رأسه فتسرق منه النقود قبل العودة ف يهيم على وجهه في المدينة وهنا تبدأ الأحداث الرئيسية للفلم من لقائه الأول مع ( سيد زيدان في دور خليل الغبي ) حين قابله في المسجد محاولًا حسنين النوم وفي كل مره يهدد بالطرد فيتلقفه خليل الغبي ووعده بتوفير السكن والأكل والشرب فيقع ضحية عصابة منظمة في استغلال المتسولين أو تشغيلهم وغالبيتنا شاهد الأحداث الكوميدية مع (هاموش ـ علي الشريف) و( الدكتور جمعه ـ وحيد سيف).

قبل أيام وصلني إعلان غريب بلغة أزعجتني جدا يبدأ الإعلان بـ ( عندنا تصوير فلم قصير ذو ميزانية ابو كلب ) أعتقد ربما أن المعلن أحب أن يكون صريحًا جدًا فاختار مفردات غير لائقة أو كتب الإعلان ممازحًا بشكل فض فج مما استثار حفيظة أحد المتلقين للإعلان فبادره بسؤال حقيقي ( بما أن الميزانية ضعيفة لستم مجبرين على إنتاج العمل ؟ فأجاب المعلن إن المشروع هادف وله عائد غير مادي !!! في استباقية فلسفية وقع فيها المعلن بما أن العائد غير مادي .. لماذا طلبت دعم بأرقام فلكية في إنتاج أحد أعمالك إذا كان العائد غير مادي ؟ ، هذا الحال المؤسف جدًا في أغلب شركات الإنتاج الفني في المنطقة الشرقية بشكل خاص  إما أن تكون الأجور متدنية جدًا إلى حد تشبيهها ب(العائد الغير مادي ) أو العمل المجاني !! سنذكر لكم بعض مميزات (العائد الغير مادي) :
يسدد عنك فاتورة الكهرباء معنويًا بطريقة (تخيل انك سددتها ) 
يسدد إيجار بيتك معنويًا بطريقة (تخيل انك سددته)
يشتري لك سيارة معنويًا بطريقة ( تخيل انك شريتها)
وإذا نجح العمل السينمائي في مخيلة المخرج فيحتفل بنجاحه وأنت تخيل انه شكرك 
وإذا فشل العمل فإن الخطأ لا يمس المخرج أبدًا بل يخص بقية الطاقم ( هذه حقيقة )

بما أن العملية أشبه بالتسول لجهود الطاقم المشارك وفي المقابل أجور متدنية أو عمل مجاني أو عائد غير مادي يتبادر في ذهني سؤال مهم جدًا إلى هذا المعلن هل باستطاعتك العمل في أي قطاع بأجر متدني أو بالمجان أو بالعائد الغير مادي إذا كنت تتحمل عبئ الحياة ومشاقها وتكلفة الحياة الكريمة ؟! إذا كنت بحاجة إلى طاقم عمل يساعدك في تنفيذ مشروعك فبالتأكيد هذا الطاقم اجتهد وضحى كثيرًا في مقابل الحصول على أجر يستحقه وفي الركن المقابل له شخص طموح يحاول الظهور والتميز فيقدم تنازلات توقعه في فم الجشع والاستغلال بحجة الاستفادة الغير مادية وإتاحة الفرصة !! الفرصة مرة واحدة فقط بأجر أو بدون أجر أما إذا تكررت العملية باسم الفرصة فتلك سرقة جهود الناس بغير حق ، مثال على ذلك شركة تطلب إعلان لمدة دقيقة بمبلغ ٤٠ ألف ريال عن طريق وسيط أو ممن يعمل في مجال الميديا فتبدأ الطامة الكبرى في طريقة تقسيم المصاريف ٣٠ ألف عمولة الوسيط وعشرة آلاف أجور الطاقم المكون من ٧ أشخاص مع كل المعدات !!! عجبًا أجور اليد العاملة في المشروع أرخص من عمولة الوسيط !! وكل شخص ممن يستغل الناس بهذا الجشع بحجة اتاحة الفرصة وتقديم عمل بهذا التدني في الأجور أو مجانًا أو بعائد غير مادي يشبه شخصية ( خليل الغبي ) يقطع رجلك (١٥٦) لكي يعطيك شهادة التسول من باب ( العائد الغير مادي ) وفي الجانب الآخر يبحث المخرج عن داعم لمشروعه بأرقام فلكية ! تناقض غريب وجشع واضح  وأنانية مفرطة جدًا، لكل عمل أجر ولكل مجهود أجر ولكل وقت قيمة فلماذا تسقطون كل هذه الأجور في مقابل حصولكم على عمل مجاني بالمقارنة بطلبكم الدعم بأرقام خيالية ؟! 

ناهيك عن الكم الهائل ممن يعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم مميزون إلى حد أن العمل معهم إضافة وفرصة ثمينة يجب أن تفكر فيها بعقلانية وخسارتها تعد خسارة سيرة ذاتية لك ، وهذا يشبه من ينام في العسل ثم يخرج لنا بفكرة ركيكة متواضعة ليبرر غيابه أنه كما قال الدكتور جمعه ( انا بغيب زي مانا عايز ياهاموش … انا بغيب عشان أفنن عشان أرسم عشان أخطط أنا شغلتي شغلة مزاج ياستاز مش لعب عيال ) سكت دهرًا ونطق كفرًا … تمخض الجبل فولد فأرًا ليخرج لنا عملًا كان السبب في سخرية الجميع من تواضع العمل وهبوطه دون مستوى الهواة فألحق هذا الفشل بهالة إعلامية عن نجاح مزعوم على المستوى العربي والعالمي! يذكرني بشخصية الدكتور جمعه أنه سعيد بنجاح شخصية المتسول ( عزيز قوم ذل ) متناسيًا أنها شخصية متسول فقط لا غير . 

إذا إستمر هذا الوضع فإن الدكتور جمعه سيصنع منا متسولين نحن أصحاب المهن في مجال الميديا وسيضطر خليل الغبي أن يعطيك شهادة (١٥٦) قطع رجل تساعدك في التسول ( وطاقة القدر إنفتحت لك ) ثم يظهر لنا هاموش يستغل جهدك وأنت متسول ويسرق مجهودك ليعطيك الفتات خليك مثل حسنين البرطوشي فاهم اللعبة بس عامل نفسه غبي في الإفلات من السماسرة(أنا حزور الست ام هاشم ) وقل لأي شخص يشبه خليل الغبي يحاول يعطيك ليسانس في التسول ( يا سيدي أنا مش عايز شهادات ) لنقدر مهنتنا ولا نقدمها لأي من كان بدون أجر أو بالقليل لأن الوضع الحالي فيه عدد ضخم ممن يشبه هاموش.

كن دائما ( ٢١١٢) كما قال الدكتور جمعه ( انت نموذج معين .. نظام إرحموا عزيز قوم ذل ) واقف على الناصية برنس واقف بشموخ رافع راسك لفوق  بس مش شحات .

عارف البحراني