|

رمضان على الأبواب فماذا أعددنا له ؟

الكاتب : الحدث 2022-03-25 12:19:29

 

لشهر رمضان مكانة خاصة في قلوب المسلمين، وهو عند الله من أفضل الشهور وأكثرهم بركة، وقد خصّه سبحانه وتعالى بمزايا عديدة، وجعل الأجور فيه مضاعفة، وغرس حبّه في قلوب الناس، فالمسلمون في شتى بقاع الأرض يفرحون لقدومه، ويعدون كل ما يبهج النفس لاستقباله بشتّى الوسائل والطرق. فصيام رمضان ركنٌ من أركان الإسلام، وهو فرض على المسلمين، والعمل به قولًا وعملًا وإيمانًا واجبٌ حتميٌ، إذ يقول جل في علاه :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ}.

وها هو شهر الرحمة على الأبواب، ولم يتبقى غير أيام معدودات ويهل علينا، فماذا أعددنا له ؟.
فمن أعظم نعم الله علينا أن جعل لنا هذا الشهر شهرًا مُميّزاً عن باقي شهور السّنة، نغتسل فيه من الذنوب والمعاصي، ونُجدّد عزيمة التّوبة والإيمان. شهرٌ فضّلهُ الله عز وجل عن بقية الشهور، تُفتح فيه أبواب الجِنان، وتُصفّد فيه الشّياطين، وأُنزل فيه القرآن، هو شهرٌ من شهور الجنة إن صح القول؛ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان}.

بيد أن هذا الشهر الفضيل قد يتخذه للأسف البعض إن لم يكن الأغلبية، شهر خمول وتعطيل، ظنًا أن رمضان فقط هو الامتناع عن الطعام والشراب، ناهيك عن أن بعضهم اتخذه شهر ترفٍ ومشاهدة مسلسلات، وفات الكثير منا أن هذا الشهر الفضيل هو منعطف قد يغير حالنا إلى الأفضل و ينتزعنا مما نحن عليه من الهوان والضعف. ولا سيما أن الله في هذا الشهر نصر جنده في أول معركة خاضوها ضد كفار قريش جاؤوا بحدهم وحديدهم، فنالوا شر هزيمة، وكانت نقطة انطلاقة في حياة المسلمين إلى فتوحات أعظم شهدت لها الأمصار.

وإذا نظرنا إلى رمضان من الناحية الاجتماعية فهو ليس فقط الامتناع عن الطاعم والشراب، بل أنه الامتناع عن كل شيء يعطل حياة الإنسان و يجعل منه خاملًا منتكسًا، وهو شهر تريثٍ وتفكيرٍ لمراجعة ما فقدناه من فرص، نُعيد النظر في حياتنا ولا سيما أن الشياطين أعداء الإنسانية يُصّفدون في هذا الشهر ويغدون لاحول لهم ولا قوة. ومن أفضل العبادات عند الله في رمضان وغيره، هو السعي في قضاء حاجات الناس، وتذكّر الفقراء الذين تخلو موائدهم مما حبانا الله به من النعم. 

فلوعة الجوع تُشعرنا بهم وليس التفكير فيما يُشتهى وملء المعدة حتى التخمة، ما يجعل نسبة زيادة السمنة تكتنز الأبدان، بعكس آباؤنا الذين كانوا يزدادون حيوية. ومع ذلك يغبطوننا الغرب على هذا الشهر الفضيل كونه شهر صحة وتجديد للخلايا، فقد أثبتت الدراسات لديهم أن الصوم هو أحد أنجع الوسائل لقتل داء السرطان، وأن نسبة الإصابة به بين المسلمين قليلٌ جدًا إذا ما قُورن بغيرهم.

غير أن مع انفتاح أجواء الإعلام وقنوات التلفزة ليلًا ونهارًا على مصراعيها، قلبت حال الناس، فأصبحوا ينامون النهار ويصحون الليل، ويفقدون بذلك لذة الأجر والمغفرة وصحة الأبدان، فلا هم أدوا ما عليهم ولا هم من قام الليل إيمانًا واحتسابًا، غير أن العقلاء من الناس والذين يخشون الله و يوقرون شعائر الله و بالذات شهر رمضان، جرت العادة عندهم أن  يقلبوا شاشات أجهزة التلفزة اتجاه جدران الغرف، أو يضعونها في مخازن بعيدًا عن متناول اليد ريثما ينتهي رمضان، خشية أن يفوتوا ولو للحظات بركات هذا الشهر الفضيل والطمع في غفران الله عزوجل. 

كما أن للقرآن فوائده الجمة، فإن قراءته من أيسر العبادات في أيام رمضان عن غيره من الشهور لتدبر معانيه، إذ يقول المولى  {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}. ليس ذلك فحسب، بل وبقراءة القرآن يحصل به شفاء الذات من كل العقد النفسية، حيث يقول في ذلك؛ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ}، فلهذا تزيد في هذا الشهر الفضيل بركات الله و رحماته، وتزول كل مظاهر الضغينة والبغضاء والحسد، لا يُرى فيه غير المحبة والتلاحم بين المجتمع، وتزيد فيه أفعال الخير و دفع الصدقات للفقراء والمساكين. اللهم لا تحرمنا من لذة بركات شهرك الفضيل ونسألك اللهم أن تقبل فيه قيامنا وصيامنا إيمانًا واحتسابًا، وأن تقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُـهون به علينا مصايب الدنيا، اللهم آمين.

 

بقلم : عثمان الأهدل .