شجرة خبيثة ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في عدة مواضع ، نباتها من أصل الجحيم وهي فتنة للظالمين وعدَهم الله بأن آكِلُها في جهنم يملأ بطنه منها ولا تأكلُها النار وطعمها مُر أَثِيم وهي من الأشجار الخبيثة جذورها تَضرِب في قعر النار وفروعها في واسع جهنم وثمرها قبيح المنظر تشبه رؤوس الشياطين فيأكل منها أهل الجحيم وتمتلئ البطون منها حتى تغلي فيها ك غليان الزيت فيهربون إلى الحميم ذلك الماء الحار الفوّار فَيُقَطّع أمعائهم ( اللهم أجرنا من النار ) ، مسلسل الزقوم للعبقري المخرج "أحمد يعقوب المقلة" وللكاتب إسماعيل عبدالله وبطولة كل من الفنان القدير سعد الفرج وسعاد علي وحبيب غلوم وهيفاء حسين وعبدالله ملك وقحطان القحطاني وفاطمة الحوسني وبقية أبطال العمل الكرام ، إسم العمل في حد ذاته مرعب كون أن أحداث العمل تصب في مسماه ولكن بطريقة مختلفة ( المال الحرام ) .

العمل يُعرض في منصّة ابوظبي يوميًا تدور أحداثه حول بيت اللّاهوب على فترتين بينهما تنقلات حسب الحدث في فترة الغوص والتجارة البحرية قبل سبعين سنة حين انطلقت الفنانة سعاد علي ( ميثا اللّاهوب ) في شخصية لعبتها الفنانة بطريقة لم نعهدها من قبل وكانت في قمة تقمّصها للشخصية المتسلطة القوية والمتجبرة التي ألغت شخصية أبنائها وهم عبدالعزيز وعيسى وفاطمة كما توقعنا في بداية الحلقات في تلك الفترة ولكن تفرد المخرج في تنقلاته بين الفترات إلى قلب موازين توقعات المشاهد في سير الأحداث وتطور الشخصيات إلى جانب آخر من الذكاء في حياكة الحالة الدرامية بشكل يوجب الثناء ، ففي عصر وباء الجدري الذي حصد الأرواح ولم يرحم كبير أو صغير يشتد الخلاف بين صقر ( حبيب غلوم ) التاجر الطيب المحبوب من الجميع صاحب الأعمال الخيرية لأهله وبين ميثا اللّاهوب بعد تطليق صقر لإبنتها فاطمة فيعجز لساني عن قوة المواجهة بين صقر وميثا في مشهد حواري جبار وتصادم قُوى الخير مع قُوى الشر فتتصاعد الأحداث مرة أخرى بين صقر وميثا بعد غرق سفينة ميثا وهروب ابنها وترك البقية لمواجهة مصيرهم ف يُشهِدُنا الكاتب على الأحداث وكأننا معهم في حوار عظيم لصقر وهو في فناء بيت ميثا في لحظة انفجار بعدما كانت هي السبب في مقتل البحارة ومخالفتها حالة الحيطة من الوباء وعدم كفاءة السفينة بعد صيانة دامت ٦ أشهر ، فيزداد الإيقاع صعودًا وتشويقًا بعد استحواذ ناصر وعبدالعزيز على ثروة صقر كاملة ( أول بذرة لشجرة الزقوم ) لتتنامى هذه الثروة ويعتني ناصر وعبدالعزيز بشجرة الزقوم وهي ثروة صقر المنهوبة بالباطل ليُؤتَى أُكُولُها في وقت معلوم .

العمل في حد ذاته يجب أن يكون في قائمة أفضل الأعمال التلفزيونية من حيث المتعة في الحوارات والمحافظة على الإيقاع وسرد الأحداث وكأننا نقرأ رواية مصورة بنكهة العملاق المخرج أحمد يعقوب المقلة الذي أمتعنا في أعماله الراسخة في الذاكرة منها : 
دمعة عمر ، يوم آخر ، بعد الشتات ، ظل الياسمين ، متلف الروح .
مع الأعمال الرمضانية الجميلة منها :
البيت العود ،حزاوي الدار، فرجان لول، نيران 

في مسلسل الزقوم نرى وضوح جانب صناعة الشخصية في جميع أبعادها الثلاثة النفسية والاجتماعية والمادية والتركيز على إبقاء قالب الشخصية خلاف المعتاد وبما يتناسب مع النص كعادة المخرج في أعماله السابقة كون أنه جمع عمالقة الدراما الخليجية في عمل أتقن فيه صقل الشخصية الدرامية  بما يضفي عليها طابع التشويق والتركيز في عظمة الحوارات بلا إفلات أو ملل ، ناهيك عن مجرى سير الأحداث من الناحية الفنية في تناغم بين فترتين يفصلهما ٧٥ سنة في تنامي قُوَى الشر بين أبطال العمل وبين المغلوب عليهم من قُوَى الخير ، البناء الدرامي للقصة والرؤية الاخراجية أشبه بثوب العيد في جماله وبريقه لا أستطيع أن أصف متعتي في مشاهدة العمل ولهفتي  في متابعة حلقاته في حالة من التفكير في منتهى وصول الأحداث إلى توقع أو خلاف التوقع وهذا بالعادة لا يجيده إلا القلة بين الكتاب والمخرجين كصناعة درامية متكاملة من النواحي التراتبية ف سياق الأحداث إلى حالة التنقلات الزمنية في تغير مسار توقع الأحداث ، لا شك أن العمل يحتوي على بعض الأخطاء الفنية لا تسقط العمل ولكن لم تنجح في الإضافة له مثال على ذلك مشهد الحادث لابن عبدالعزيز اللّاهوب لم يكن متقن ولكن لم يسقط من جمال العمل ككل حيث أن المشهد لحظي فقط ، كذلك اختلاف اللهجات بين الإمارات والكويت والبحرين واضح جدًا ومربك نوعًا ما ، الموسيقى التصويرية جميلة ومناسبة جدًا للعمل في الفترتين المختلفتين ، التلوين جيد ولكن لا يرتقي إلى جودة العمل بما يتناسب مع الفترتين ، العمل بمجمله أيقونة درامية لوجود عمالقة الفن في دول مجلس التعاون ويستحق المتابعة بشغف .

من الأقوال الرنانة في العمل منها قول ميثا اللاهوب لولدها عبدالعزيز (الحريم مب حاجة حريم يحمونهم ، وخِلْفَة هالبيت كلها حريم حتى لو فيهم اللي شايل شوارب على ويهه مكتوب على هالبيت حريمه ارجل من رجاجيله ) 

عبدالعزيز اللاهوب  ( يقولون الماضي أذكى وأشطر وأخبث منك يغلبك مهما كنت داهية من الدواهي )
( يقولون بعد الماضي بعير ما ينسى ثاره وثعلب في مكره ودماره يزرع لك شهود من أول يوم في عمرك يتبعون أثرك في أول خطوة تخطيها على الأرض )

ناصر بن ناصر ( احنا ما بننعم بعطايا الحظ أحنا بنعيش في جحيم وبنشيل الهم طول حياتنا من خوفنا لا ننكشف في يوم من الأيام وينكشف سرنا )

صقر يكسر شوكة ميثا حين فكرت في اهانته بضربه بنعالها ( مكانك يا ميثوه واعتدلي واقفه والا ترى والله ما ترفعين راسك عقبها …  ودفنة اللي ربوني لأدفنج مكان ما انتي واقفه اذا نسيتي نفسك حتى لو كنتي حرمه )

عبدالعزيز اللّاهوب ( الحظ يدق بابك مره وحده في العمر يا تفتح له وتنعم بعطاياه أو تسكر الباب بوجهه وتعض اصابع الندم والحسره باقي عمرك )

العمل بناء راقي وممتع لا شك في وجود المدرسة الفنية من عمالقة الدراما الخليجية ورؤية مخرج في مقام الأستاذ أحمد يعقوب المقلة والاستاذ المخرج المساعد طاهر محسن  ، وأشكر الزميل  مساعد المخرج محمد اللويمي  على الافادة الفنية والموسيقار جمال القائد في صناعة متعة موسيقية .

 قال الله تعالى :

 (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ -طَعَامُ الْأَثِيمِ -كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ -كَغَلْيِ الْحَمِيمِ )

 صدق الله العظيم 

عارف البحراني
١٣/٤/٢٠٢٢ م