درب (البلاوي)
بقلم - حنان بن محمد الثويني
كانت الأحرف المتفرقة الأولى التي تعلمناها في الفصول
هي :
من .. ج د … و ج د…
ومن … ز ر ع … ح ص د
وأكد الأجدادُ لنا تلك الأهميه ، وقالوا:
من سار على الدرب وصل..!
لكنهم تركونا على نياتنا الصافيه ، وعلى
إعتقاداتنا البريئة في شؤون الدنيا وتقلباتها الغامضه ومواقفها المُهلكه وصعوباتها المتواتره ، ولم يجتهدوا في
إحكام الدروع وشد أحزمتها جيداً على صدورنا وإستعداداتنا النفسية،لنستسلم بتبلدٍ وهدوء للصدمات القادمه..
وأنّى لهم ذلك وهم أُناسُ بسيطون
لا يتلونون ولا يخونون ولا يخدعون وبكل رأي وإتجاهٍ يثقون ، وبكل أمرٍ يعملون !!
فبذل الآباء والأمهات جُل مايملكون من
جُهدٍومالٍ وقوه ، وشقاءٌ في الليل والنهار
وكمدٌ ثقيل في سبيل تربية الأبناء التربية الصحيحة في إقتحام فُرص العلم ،وتوفير الأجواء المنزلية المُناسبة لنجاح أبناءهم ، وذلك ليجدوا في مستقبلهم الواعد الفرص العملية المناسبة لميولاتهم وتوجهاتهم وطموحاتهم ، التي تفرض لهم الإحترام والتقدير والإعتزاز بالنفس وبالنجاحات وبالطموحات المُختلفه ، أمام الذات وأمام العالم بلغاته وأعرافه وأعراقه المُتعدده..
الحقيقة أني وغيري لا نستطيع أن نغفل عن دور الأب والأم في تشجيع أبناءهم وبناتهم بتلقي العلم ، وإمدادهم بوسائل الراحة ، وتوفير الوسائل والإحتياجات التي يتطلبها التعليم والتعلُم
من :
- أحذيه ، جوارب ، أوعيةٌ للشتاء والصيف
- حقائب
- أقلام والوان وألواح
- ملزمات
- أعمال فنيه
- إفطار صباحي
- وسائل مواصلات
- ثمن للوقود
- جلوس لساعات على مقاعد خشبيه
- وبرد وحر وغُبار ، وتقلبات مناخيه
ناهيك عما يعانيه الأب والأم من مسؤليات واهتمامات لا تنتهي ..
في النهايه … ماذا كانت النهايه ؟!
من سار على الدرب خُذِل ..!!
أصبح المُتخرج عالة على والديه في الكِبر ،ومُحاربٌ ومُطاردٌ من البلديات ويعمل في مهنٍ لا تليق بشهاداته ، التي قطع في سبيلها نصف عمره والليل بطوله وعرضه، يحفظ الكتاب من أوله لآخره
وبائعٌ للخضار والبطيخ على الأرصفه وشاي الجمر على جال الرمال
ومُعِدّ للقهوة والشاي في المقاهي ، أو حارِسٌ لبوابات البنوك والفنادق والأسواق المُغلقة والحدائق !!
ويُصارع الزمن وأهل الزمن والبلاء
لينعم بحياة كريمه ، تتناسب مع مشواره العلمي الطويل ..
لكنه ازداد قهراً وغبناً ، وماتت بداخله الأحلام والأُمنيات ، والعمر الذي يمضي
بِلا فائدةٍ ولا معنى ولا أهداف ، وأيقن أنه:
لن يتحصل على المال الكافي ليفتح له داراً ويختار عروساً ويُنجب طفلاً وأنه
من: جد (دجَّ)..!
إذن :
من سار على الدرب فليضع القليل من التوابل على شهادات التخرج
ويشرب عليها الماء والهواء !!!
وأنا أقول للأجيال القادمه :
لو سمِعتُم مقولة
(من طلب العُلا سهِر الليالي )
فأيقنوا أنها :
(من سهِر الليالي طحنته البلاوي)