|

( أنت لا تستحق )

الكاتب : الحدث 2023-01-29 12:02:30

مسعودة ولي

كان ينظر إلى السماء مُتأمِلاً؛ بوعيٍ تام وبمنطقٍ ناضج أخَذَ يُحدِّث نفسه لعله سيُقنِعُها ويُخلِصها من رواسب تلك الطُفولة النتنة التي عاشها وعاشت به طويلاً..

مُنذ سنينه المُبكرة تشبّع قلبه بعدم الأحقية وبأن كل الذي كان يحصل عليه كان كثيرٌ عليه.. 

بمُجرّد حصوله على أدنى شيء كان يسمع وبيلاً من المَنِّ والأذى، بعقله الطفولي لم يكن يفهم ماهية المَنّ والأذى لكن الشعور الوحيد الذي كان يشعُر به هو عدم الإستحقاق..
وتفاقم هذا الشعور وكَبِر معه حتى استحوذَ عليه.. وجعلته يُقلِل من أهمية إنجازاته ولا يَشعُر بمدى تميزه ونجاحه ؛ بل لم يقتصر هذا الشعور على الإنجازات و الأشياء المادية وشعوره بالذنب لحصوله على أي شيء جديد فحسب.. 
بل تجاوز هذا الشعور حتى غَلَبَ على عواطفه وبأنه لا يستحق الحُب لأنه كان يشعرُ بالتهميش دائماً وبأنه غير مرئي؛ ولهذا بذل جُهداً جهيداً وقضى سنينه الجرداء في تسوّل حُب الجميع، وبذل وقته وطاقته لأجلهم؛ حتّى يشعُر بقبولهم وحُبهم وبأنه ليس ثقيلاً على أحد؛ أي عليه أن يُقدِم لهم المزيد والمزيد دون أن يأخذ شيئاً..
لكن الحقيقة المُرة كانت بأنه كُلّما أحرق نفسه لأجل أحدهم كان يُستغل لآخر رمق.. وكان يزدادُ بؤساً ووحدةً..

نعم يا سادة؛ هذا الطفل قد يكون طفلاً مُرفهاً بنظركم لكنه يُعاني بداخله بعدم الإستحقاق وسينعكس على حياته عندما يكبر بأنه يقبل بكل شيء حتى وإن كان سيئاً، دون أن يطلب الأفضل سواء كانت أشياء، مشاعر أو حتى أشخاص سيرتبط بأشخاص قد يكونوا غير مُناسبين وقد يكونوا سيئين لكن هو لا يستطيع أن يرى هذا؛ بسبب شعوره القديم والعميق بعدم الإستحقاق، جَعَلَت منه شخص يرضى بِفَضَلَة الأشياء والأشخاص.. تلك الطفولة هزّت أركان حبه لنفسه وتقديره الذاتي..

من منا كان يعلم عن مدى تأثر الطفل وبأن الذي يواجهه صغيراً سيُحدد الكثير في حياته؛ إن لم يتلقى الوعي الكافي ويبني أُسُسه من جديد ويتعافى من كل عُقد الماضي بكل طُرق التعافي!!

سلامٌ إلى ذلك الطفل القابع خلف الباب الذي ظن بأنه كثيرٌ على هذه الحياة وتعظّم شُعوره بالدونية..
أنت تستحق الأفضل وأنا أحبك..

@masudah77