|

حمية الجاهلية… العنصرية … والمناطقية

2017-12-01 04:28:19

من بزوغ فجر الإسلام ، وفِي دولته الأولى ، وتحت قيادة وريادة المعلم الأول عليه الصلاة والسلام ،كانت أصابع العبث تمتد لتجس مواضع يمكن لها ومن خلالها زرع فتيل الفتنة بين أفراد المجتمع ؛ بالدس والمؤامرات ، وإثارة النعرات القبلية ، والتذكير بثارات ودماء الجاهلية ، وصولات وجولات الغزو وقطع الطريق .
وذلك حين يجتمع المسلمون من كل حدب وصوب ، ومن كل عرق ولون على كلمة سواء ، وأقصى مناهم طاعة الرحمن ،والغفران من رب الجلال ، لا يتفاخرون بالقبائل ولا بالأنساب ولا بالطوائف ولا الأعراق ، دائبون في مصالحهم ،وما يصلح دنياهم وآخرتهم، زكت نفوسهم بالإسلام، وتهذبت بالإيمان ،ربهم واحد ،ونبيهم واحد ،ودينهم واحد ، كلهم لآدم ،وآدم من تراب ،لا يتفاضلون بغير التقوى ، توطنت نفوسهم على الترابط والتحابب، كالبنيان يشتد ببعضه ،وكأسنان المشط في وصفه لا عده .
تتجلى هاتان الصورتان ، والصفحتان المتقابلتان ، والطريقان اللذان لا يلتقيان ، حين جمع الله بهذا الدين بين حيين من العرب ( الأوس والخزرج )،كانوا قد تخطفتهم يد الردى ، وأنشبت مخالب العصبية القبلية في كل تفاصيلهم، حروب بأتفه الأسباب ، أو حتى بغير أسباب ، فأتى الله بهذا الدين ليبعثهم من حمأة الجاهلية والجهل ، إلى نور الإسلام والعدل ، فغاض ذلك أعداءهم ،بل وأعداء الإنسانية والحياة ، حتى قال (شاس بن قيس) اليهودي : ولا والله مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار ، فانتدب شابا من يهود؛ لينسج شَرك الفتنة ، ويوقد فتيلها ، ويجتر ما كان بين الحيين في بعاث ، وينشد الأشعار ، ليوقض حمية الجاهلية ، ويعيدها جذعة بعد أن أماتها الإسلام ، فتقاولوا ، وتفاخروا ، وتنازعوا ، وتواثبوا ، ونادوا السلاح السلاح موعدكم الحرة ، فانحاز الناس على دعواهم التي كانت في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فخرج إليهم مغضبا ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ) ، فسرعان ما فطن الناس لنزغة الشيطان وتوهيمه ، وأقبلوا يتلاومون ويتعانقون ، قد أطفأ الله كيد عدوهم .
والحالة هذه ؛يسوء وجوها ويغيظ قلوبا هذا التآلف والإجتماع بين أفراد المجتمع الواحد (هنا)، فيسعى البطالون لتوظيف عوامل شتى ، من شأنها أن تزرع الفتنة ،وتقوض الوحدة ،وتذكي شقة الخلاف ، فرفعوا عقيرة العصبية القبلية ، والعرق واللون ، يسطرون قصائد ملحمية ، وأهازيج شعبية ، عن القبيلة ،وشيخ القبيلة ،وفارس القبيلة ،وأيام القبيلة ،مع غمط من عداهم فحوى وتلميحا وضمنا ، أو الضرب على وتر اللون والمناطقية ، بفكر متخلف جاهلي ، لم ير نور العلم والأدب ، بل يعيش هرطقات الجاهلية الآسنة، وكأنهم لم يسمعوا قرآنا في الهاشمي يتلى ؛( تبت يدا أبي لهب ) ، ولم يبلغهم في أبي طالب حديث يروى ، ولا علموا بقوله في الفارسي هو ( منا ) ، و في الحبشيي ( أسمع خشخشتك في الجنة )، وفِي الرومي ( ربح البيع أبا يحيى ) ، فلا فضل لعربي على عجمي ،ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى .
قد هَدّ النقص مجامع قلوبهم ، وأحاط بجنبات نفوسهم ، فلا هم من العلم والأدب في العير ولا النفير، ولا حازوا منه على القطمير ولا النقير، فتراهم يدندنون ويدورون كالرحى حول العصبية القبلية ؛ لينتشوا منها نَفَس العزة والكرامة ، التي استعصت عليهم وأضرابهم ، أن يحصِّلوها من العلم والأدب والسماحة .
وأرباب العنصرية ، وأهل العزوة والفزعة الجاهلية ، هم أول من يصطلي بنار من يندسون خلف المعرفات المجهولة، والأسماء المشبوهة، والألقاب المستعارة ، والهاشتاقات المأفونه؛ ليفرقوا الكيان العربي ،- والسعودي على وجه الخصوص – واللحمة الوطنية ؛التي وطئت بإيمانها ربا الجاهلية -( وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ) – وجعلت الشريعة الإسلامية هي أوثق الروابط الأخوية .
فاليحذر الذين يجهلون ، أن تصيبهم معرة العنصرية ؛ بما يجرونه على البلاد والعباد من بلاء وفتنة ، بسبب ما يحيونه من ثارات الجاهلية ؛ إستجابة بقصد أو بغير قصد للمغرضين المتربصين بِنَا الدوائر ، ليطحنوا التلاحم ويحلوا الأواصر بين ناري الحزبية والعنصرية ، فعليهم دائرة السوء ،وغضب الله عليهم ولعنهم .
والله من وراء القصد .