بقلم ـ نايف العجلاني

أثناء مروري مؤخرًا بطريق الملك عبدالعزيز بجدة، لفت انتباهي مشهد أصبح يتكرر كثيرًا في مجتمعنا. أربعة من الشباب اليافعين يستقلون سيارة واحدة في ليلة جميلة من إجازة نهاية الأسبوع، إلا أن كل واحد منهم كان غارقًا في هاتفه، بما فيهم السائق. لم يكن بينهم أي حديث أو تفاعل، وكأن الهواتف قد اختطفت لحظتهم وأبدلتها بعزلة رقمية صامتة.

هذا المشهد يعكس تحوّلًا اجتماعيًا خطيرًا نعيشه اليوم. هؤلاء الشباب في عمر الطاقة والحياة خرجوا من منازلهم بأجسادهم، لكنهم ظلّوا سجناء داخل شاشاتهم. أصبحت “الخروجة” التي كانت يومًا مساحة للضحك والذكريات ومشاركة الحياة، مجرّد انتقال مكاني لا يختلف كثيرًا عن الجلوس في المنزل.

إن انتشار الأجهزة الذكية ووسائل التواصل خلق وهمًا بالتقارب، بينما الواقع يشير إلى تباعد متزايد داخل البيوت والمجالس والطرقات. وقد حذّر كثير من المختصين من تأثير هذه العزلة الرقمية على العلاقات الأسرية والاجتماعية، ولكن المشهد في سياراتنا ومقاهينا يثبت أننا لم نأخذ التحذيرات بجدية كافية.

المفارقة أنني أكتب هذه السطور عبر هاتفي الذكي، ما يعني أن المشكلة لا تستثني أحدًا. لعلّ هذا المقال يكون دعوة للتأمل وإعادة النظر في علاقتنا بأجهزتنا، وأن نستعيد قيمة اللحظة… قبل أن تضيع من بين أيدينا دون أن نشعر.