أفكار شكَّلت 2025 ومسارات تمهِّد لما بعدها
بقلم د. بجاد البديري
مستشار الشراكات والاتصال المؤسسي
بحسب قراءة شخصية نابعة من ممارسة مهنية طويلة في العمل مع مؤسسات دولية متعددة، ومع اقتراب نهاية عام 2025، تتضح ملامح تحوُّل لافت في طريقة بناء الشراكات الاستراتيجية بين المؤسسات العالمية. هذا العام كشف أن الشراكات لم تعد إطارًا تعاونيًا تقليديًا، وإنما أصبحت أداة تفكير وتنفيذ لإدارة التعقيد، وتقاسم المسؤوليات، وصناعة أثر يتجاوز حدود القطاعات والدول.
أولى الأفكار التي شكَّلت 2025 تمثلت في الانتقال من التعاون المؤقت إلى الشراكات طويلة الأمد، والعديد من المؤسسات الدولية أعادت النظر في نماذج التعاون السريع، واتجهت نحو بناء علاقات تقوم على وضوح الهدف، وتكامل الأدوار، وربط الشراكة بمخرجات قابلة للقياس. هذا التوجه أسهم في رفع كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز الاستقرار، وتحقيق نتائج أكثر عمقًا واستدامة.
الفكرة الثانية برزت في تنويع أطراف الشراكة، فالمشهد الدولي خلال هذا العام شهد تقاربًا أوضح بين مؤسسات حكومية، وكيانات خاصة، ومنظمات غير ربحية، ومؤسسات تعليمية، ضمن منظومات عمل مشتركة، هذا التنوع أتاح تبادل خبرات أوسع، وربط المعرفة بالتطبيق، وتحويل المبادرات من أفكار نظرية إلى مشاريع عملية تخدم التنمية والاقتصاد والمجتمع.
أما الفكرة الثالثة، فارتبطت بصعود الشراكات بوصفها نموذجًا داعمًا للقوة الناعمة، فالتعاون في مجالات المعرفة، والثقافة، والتدريب، والبحث، أسهم في بناء صورة ذهنية إيجابية للمؤسسات والدول، وفتح مساحات تواصل إنساني قائمة على الثقة والتفاهم. هذا البعد أظهر أن الشراكات الاستراتيجية تنتج أثرًا حضاريًا متراكمًا يتجاوز النتائج المباشرة. ومن بين الأفكار المؤثرة أيضًا، تنامي الوعي بأهمية الحوكمة في إدارة الشراكات، لأن توزيع الأدوار بوضوح، ووجود آليات متابعة، ومرونة في التعامل مع المتغيرات، أصبحت عناصر حاسمة لضمان استمرارية التعاون وتحقيق أهدافه، والمؤسسات التي استثمرت في هذه الجوانب استطاعت الحفاظ على توازنها وتحقيق نتائج ملموسة.
هذه الأفكار مجتمعة ترسم ملامح المرحلة القادمة، كون المرحلة المقبلة تتجه نحو شراكات أكثر نضجًا، تقوم على القيمة المشتركة، والتكامل بين القطاعات، واستثمار المعرفة باعتبارها محركًا للتأثير الدولي، فما بعد 2025 يفتح أفقًا واسعًا لتحويل الشراكات الاستراتيجية إلى منصات فاعلة لصناعة المستقبل وبناء علاقات عالمية أكثر عمقًا واستدامة.