ريان العسيري .. حيث تلتقي البطولة الفردية بقيم المنظومة
بقلم ـ فاطمة آل مبارك
-----------------------------
لا أكتب عن موقف بطولي فحسب،بل عن اختبار حقيقي لرجال الدولة وقدرة قيمها على الصمود فى الميدان ،داخل الحرم المكي وقف رجل الأمن السعودي "ريان "موقفًا يعكس أسمى معاني الشجاعة والوفاء كمسؤولية إنسانية كاملة، فأنقذ روح من الهلاك، وحمى نفس كرمها الله، وقدّم جسده قبل أي اعتبار في لحظة لا تحتمل التردد.في ثوان حاسمة، وبين الزحام والقدسية، جمع ريان بين الجاهزية العالية والحس الإنساني العميق، فتلقف معتمرًا [جاهلاً] ألقى بنفسه من الدور الثالث في المسجد الحرام، وخاطر بحياته ليمنح غيره فرصة أخرى للحياة، متدخلًا بجسده ليحمي المعتمر من الارتطام المحقق.هذا هو رجل الأمن السعودي حاضر عند الخطر، ثابت عند الشدة، ورحيم حين تكون الرحمة هي الفعل الأصدق.
هذا الموقف امتداد طبيعي لعقيدة راسخة تربّى عليها رجال الأمن التقدم لا التراجع ،حماية الأرواح قبل حماية الذات ،نموذج حيّ كشف جوهر المنظومة أكثر من التقارير والخطط والاستراتيجيات .ودليل واضح على أن الاستثمار الحقيقي يكون في بناء الوعي، وتعميق الحس الإنساني، ومنح رجل الميدان صلاحية القرار الأخلاقي قبل القرار التنفيذي ..
ومايلفت الانتباه هنا أننا اعتدنا قياس النجاح الأمني فى الدول بعدد الحواجز، أو انخفاض الحوادث، أو كفاءة السيطرة. أما في الحرم المكي، فقد قيس النجاح بثوان قليلة، وبجسد اتخذ قرارًا، وبقلب أدرك أن الرحمة أعلى درجات الاحتراف. هنا يتجلّى التحول الجوهري في مفهوم الأمن، من أمن المكان إلى أمن الإنسان. المسؤولية فى الحرم المكى تتضاعف لأن الخطأ يُقاس بمساس قدسية المكان وطمأنينة الملايين ..
إن هذا الحدث، الذي سيظل حاضرًا في ذاكرة التاريخ، لم يكن مجرد واقعة عابرة، بل لحظة كاشفة أسكتت الأصوات المغرضة، وبددت خطابات الحقد، وقدمت رسالة طمأنينة لكل من يقصد بيت الله، مفادها أن وراء هذا الأمن رجالًا لا يساومون على القداسة، يحملون أرواحهم على أكفهم، بسواعد يقظة، ووعي راسخ، وقلوب حاضرة تدرك عظمة المكان وجلال الرسالة ..
ولا يمكننا هنا فصل هذا النموذج عن الرؤية التي تقود المملكة اليوم، حيث تحوّل مفهوم الخدمة من أداء واجب إلى استشعار رسالة. فالدعم غير المحدود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظهما الله، دعم منظومة ترى أن الإنسان ليس رقم في الحشود، بل أمانة في أعناق الدولة.
صفوة القول، سيبقى ما قدّمه البطل ريان عسيري علامة مضيئة في سجل الشرف الوطني، مصدر إلهام، ودليل صادق على لطف ووفاء رجال الأمن في الحرم المكي. ولهذا نفخر برجال أمننا، ولهذا يظل أمن الحرمين أمانة كبرى في أعناق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. نسأل الله أن يشفي الجندي البطل ريان عسيري، وأن يحفظ رجال أمننا، وأن يجعلهم سيوفًا للحق، ودروعًا للوطن، وأمانًا للحرمين الشريفين .