|

هذا أفضل ما سيكون عليه "الاقتصاد الأمريكي"

الكاتب : الحدث 2021-07-11 10:22:50

 

من المتوقع للاقتصاد الأمريكي، أن ينمو خلال العام الجاري بسرعة تصل إلى 7 في المائة، وذلك نتيجة النجاح الذي حققه طرح اللقاح الأمريكي، مضافا إليه التحفيزات الحكومية الهائلة، وهذا يضع الولايات المتحدة في مقدمة الدول المتعافية. وتتحدث وسائل الإعلام بإيجابية ملحوظة، عما تصفه "بالنهضة الأمريكية"، في الوقت الذي احتفلت فيه البلاد الأحد الماضي بالذكرى الـ245 للاستقلال.
لكن يوجد هنا إشكال معين: فقد مرت الولايات المتحدة للتو بنهضة اقتصادية. ومن غير المرجح أنها ستولد ثانية من جديد.
فقبل عقد من الزمن، قامت شركة "ستاندرد آند بورز" بتخفيض الدين الأمريكي، عقب الأزمة الاقتصادية عام 2008، في سابقة هي الأولى من نوعها، ما أدى إلى انطلاق التوقعات المؤلمة بتردي الاقتصاد الأمريكي. وعلى العكس من ذلك، فقد شهدت الأعوام العشرة الماضية، توسعا للاقتصاد الأمريكي مدفوعا ببراعتها التكنولوجية، وقدرتها على التدبير السريع نسبيا لأزمة الديون.
لقد ارتفعت حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لتصل من 21 في المائة إلى 25 في المائة العام الماضي. وقد استهل متوسط الدخل للفرد الأمريكي العقد المنصرم، بزيادة 26 في المائة عن نظيره للفرد الأوروبي، باعتبار القيمة الفعلية للدولار، ووصلت إلى ما يربو على 60 في المائة بنهاية العقد. وقد تقدم متوسط الدخل في الولايات المتحدة على مثيله في اليابان بفارق كبير. ومع أوائل عام 2020، وعلى الرغم من المزاعم أن "اليأس" سيصيب الطبقة المتوسطة غير العاملة، إلا أن ثقة المستهلك والشركات الصغيرة، قد ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة منذ ستينيات القرن الماضي.
وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة قوة مالية عظمى، تبوأت مكانة عالمية أرفع من ذي قبل. فقد ارتفعت حصتها في أسواق الأسهم العالمية في العقد الثاني من القرن الـ21 من 42 في المائة إلى 58 في المائة. وزادت هيمنة الدولار الأمريكي أكثر من أي وقت مضى، ما عزز مكانتها القيادية على الدول المتقدمة الأخرى.
وبحلول أواخر عام 2019، ارتفع مجموع القروض الخارجية للأفراد والشركات، مقومة بالدولار الأمريكي، إلى 75 في المائة، حيث كانت قيمتها 60 في المائة قبل الأزمة الاقتصادية في عام 2008. وتعتمد كل ست دول من أصل عشر على الدولار الأمريكي، كعملة "ارتكازية" لقياس عملتها المحلية وتحقيق ثبات لقيمتها - وهي نسبة قياسية تقريبا. فيما آلت جهود الصين لتحدي الدولار كأفضل عملة للاحتياطي في العالم إلى الفشل بدورها كلية في العقد الثاني من القرن الـ21.
إن من غير المرجح أن تعلو الولايات المتحدة مرة أخرى في هذا العقد، على الرغم من أنها استعادت قوتها على مدار العقد المنصرم. فكما طرحت هذه المسألة للنقاش في مستهل جائحة كوفيد - 19، أعود وأقول مجددا، إنه كلما كانت مرحلة الازدهار مشرئبة، فلا بد أن تتلوها فترة طويلة صعبة.
لقد كان العالم مدفوعا بعجلة الاقتصاد الأمريكي في ستينيات القرن الماضي، ثم ما لبث أن شعر بالتهديد من الاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي، لما يملكه من مخزون هائل من النفط. وبعدها استحوذ القلق على الولايات المتحدة، إزاء الصعود القوي لليابان. ثم عادت لتزأر في وجه الجميع إبان الازدهار التكنولوجي في التسعينيات، لكن الأسواق الناشئة بقيادة الصين تصدرت المشهد في بداية الألفية الجديدة.
تستند التوقعات بحدوث طفرة أمريكية أخرى في جزء منها، إلى الاعتقاد بقدرتها على مواصلة تقدمها في قطاع التكنولوجيا. لكن عمالقة الإنترنت في الولايات المتحدة يواجهون بالفعل تحديات في الأسواق الناشئة في كل من آسيا وإفريقيا، حيث يقوم رواد الأعمال المحليون بتأهيل قادة في الأسواق المحلية والإقليمية في كل من قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات المصرفية الإلكترونية والأبحاث. بينما تعمل أوروبا على سد الفجوة في الابتكار في مجالات منها الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتعمل الشركات الأوروبية المبتدئة على جذب مزيد من أموال الأسهم الخاصة، أكثر من أي وقت مضى.
غالبا ما يتسبب الرضا عن الذات بوأد الطفرات الاقتصادية، وهو ما يسود الفكر الآن في الولايات المتحدة. فقد طالبت أصوات مهمة في كل من الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة بالاستمرار في اقتراض الأموال والإنفاق بكل حرية، معتمدين في جدالهم على مكانة الدولار، باعتباره العملة الأكثر طلبا في العالم.
لكن تدفق الأموال بسهولة من خزينة الاحتياطي الفيدرالي، يهدد بإضعاف الدولار ويغذي ظاهرة شركات الزومبي - الشركات التي تدر ربحا قليلا، حتى تتمكن من سداد ديونها بأقساط متساوية من الفائدة. فلم يكن لهذا النوع من الشركات أي وجود يذكر في الولايات المتحدة قبل عقدين من الزمن، ثم أصبحت تشكل ما نسبته 6 في المائة بحلول عام 2010، وارتفعت نسبتها في العام الماضي، لتصل إلى 20 في المائة.
إن الحكومة الفيدرالية والشركات غارقة في ديون يصعب معها أن نتصور الطريقة التي يمكن أن تدفع بالاقتصاد نحو الازدهار. ففي عام 2010، كانت الولايات المتحدة مدينة لبقية العالم بـ2.5 تريليون دولار، ما يساوي 17 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة. وبحلول أوائل العام الفائت، ارتفعت هذه الديون لتصل إلى عشرة تريليونات دولار، وهو ما يزيد على نصف إجمالي الناتج المحلي - وهو منزلق غالبا ما أدى في الماضي إلى إيجاد أزمات في العملة. أما اليوم، فتبلغ قيمة الديون 14 تريليون دولار، أي 67 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
كل ما ذكرته سابقا، لا يعني أن الذين كانوا معتقدين، خطأ، بانهيار الولايات المتحدة في العقد المنصرم، ستثبت صحة اعتقاداتهم الآن. فالحصة المتزايدة للصين في الاقتصاد العالمي، جاءت إلى حد كبير على حساب نصيب كل من أوروبا واليابان. حيث لا يزال هؤلاء المعتقدون بالانهيار، مقتنعين بأن الصين ستتجاوز الولايات المتحدة، متغاضين بذلك عن حقيقة أن الصين، نفسها، تعاني من مشكلات ديون ضخمة.
من المرجح أكثر أن تستمتع الولايات المتحدة بفترة متوسطة من الازدهار لعقد من الزمان، لأن كاهلها مثقل بالتجاوزات التي حصلت في فترة الازدهار هذه أخيرا. ونسبة إلى الأسواق الأخرى، بلغت الأسهم الأمريكية ذروتها منذ 100 عام. ومن ناحية أخرى، تعكس بعض التقييمات نوعا جديدا من التفاؤل: أنه وبعد عقد من النجاح الأمريكي غير المتوقع، فإن عديدا من المحللين الآن يستشعرون حلول مزيد من الازدهار الاقتصادي. فمع الأسف، إن هذا أفضل ما ستكون عليه الولايات المتحدة.

كبير الاستراتيجيين العالميين في بنك مورجان ستانلي لإدارة الاستثمارات ومؤلف كتاب "القواعد العشر للأمم الناجحة"