|

التحول الرقمي وخفاياه :

الكاتب : الحدث 2021-11-16 09:05:18

كثيرًا ما نسمع عن التحول الرقمي ولا نفهم معناه الحقيقي ولا نعي ما فوائده، يخيل إلينا في الوهلة الأولى عندما نسمع عنه أنه أحد أفلام الخيال العلمي، الذي قد يصبح في زمنٍ ما حقيقة واقعية. وفي هذه المقالة أُحاول تبسيط مفهوم التحول الرقمي، وقد أخوض في غماره بسلسلة من المقالات لاحقًا حتى أعطي صورة أكثر وضوحًا ومن زوايا متعددة.

ذكر علماء الإدارة أن الحياة في مجملها لا تخرج عن ثلاثة أضلع، هي الزمن والجودة والتكلفة، مُشكِّلةً مثلثاً لعب دورًا هاما في حياة الإنسان. وقد تم إعداد دراسات وأبحاث بهذا الخصوص للوصول لأفضل أنموذج متوازن يلبي الجانب المهم في حياتنا اليومية. وقد اُستخدمت صُنوف الأدوات والتقنيات لتحقيق ذلك التوازن، منها الإدارية والتقنية الحاسوبية، التي زاد زخم استخدامها في بدايات التسعينات وخصوصًا في عهد شبكة الإنترنت ، إلى أن ظهر مفهوم التحول الرقمي الذي ذاع صيته واسعًا في الأونة الأخيرة، ساعد على خلق تناغم متوازن في حياة البشرية.

فالتحول الرقمي هو مفهوم نظري فلسفي، يهدف في المقام الأول إلى بناء بيئة تدعم الشفافية والرقابة في العمل، مع تحسين مستمر في الخدمات وزيادة في الإنتاج كمّاً وكيفاً، وفق تكاليف تشغيلية منخفضة. فالتحول الرقمي أصبح ضرورة مهمة للتنمية الإقتصادية والاجتماعية وليس ترفاً.

إلى ما قبل عقدين من الزمن أو أقل العديد من التقنيات الحاسوبية فشلت نوعا ما في تأطير بيئة العمل وتقديم اضافة نوعية مقارنة بوقتنا الحالي، ويعزو ذلك لعدم كفاية ترابطها والتناسق فيما بينها لتشكل بيئة خدمية مفيدة، فمثلا صُرفت الكثير من الأموال على الصحة والتعليم للوصول إلى بيئة متكاملة، ولكن لم تصل للطموح المأمول منها، فضلًا على أن تصمد لفترة أطول في ظل الأعداد المتزايدة في التعداد البشري المتسارع. فكان لزامًا التفكير بطريقة أفضل تعمل على توفير الوقت دون الإضرار بجودة الخدمات.

فأصبح العمل عن بعد وتقديم الخدمات من خلال شبكة الانترت عاملًا مساعدًا، قلل من الوقت والجهد وهذا يُعد أحد أهم نماذج التحول الرقمي. وقد كان لقطاع المصارف الأسبقية في الاستفادة من ذلك، مما ساعده على تقديم خدماته بكفاءة عالية وبمجهود أقل وفي وقت وجيز مقارنة بخدماته قبل عقدين ونيف تقريبا، والتي كانت تُلزم المستفيد زيارة أحد الفروع لحصوله على ما يلزم. فالآن من خلال جهاز الهاتف المحمول نستطيع تحويل مبالغ أو تسديد فواتير أو حتى فتح حساب جديد والعديد من الخدمات التي لكم أن تتخيلوها.

وأنواع التطبيقات التي يدخل فيها التحول الرقمي كثيرة جدًا، يمكن تصنيفها حسب مجال وطبيعة العمل، هادفةً فيه تقليل الأعمال اليدوية التي تكثر فيها الأخطاء ويحدث فيها البطء، وأفضل مثال لذلك القطاع الصحي الذي يفتقر إلى جودة في العمل والخدمات مع احتمالية تكرار الأعمال التي من الممكن اختصارها. فمثلا الملف الطبي للمريض الذي يتكرر في كل مشفى يزوره المريض، تقنية البلوك شين Blockchain تحل هذه المعضلة التي تعطي منصة مشتركة واحدة لجميع المشافي، كما أنها تحمي حقوق المرضى من التلاعب عند حدوث أخطاء طبية، فيكون أهل الإختصاص على الأطلاع بشكل آني دون الحاجة لإرسال مفتشين أو مراقبين كما جرت العادة، وكما ذكرنا سلفا الشفافية هي العامل الأساسي لمثل هذه الحالات وهذا ما يحققه التحول الرقمي.

ولكن في المقابل بما أن التقنية أصبحت جزءًا لا يتجزء من حياة الناس اليومية وبشكل مخيف، فكان الثمن باهظًا بانتهاك خصوصيتهم حتى غدوا عُراة لا ساتر لهم، فمثلا التطبيقات التي تُستخدم في الأجهزة المحمولة أو الجوال ترسل اشارات مستمرة إلى مركز المعلومات القاريء والذي تجري فيه مليارات العمليات الحاسوبية في ثواني أو أجزاء من الثانية دون توقف، ولا سيما التطبيقات الرسمية التي تنظم العلاقة بين الشعب والحكومة، والتي في اعتقادي بل أجزم أن الفرد معها من السهولة أن يكون تحت الطائلة وقد يجعل كل بيناته أو حتى جهازه المحمول مكشوفًا تمامًا، فلن تصلح معه البرامج المشفرة ولو كانت معقدة بأعلى برامج التشفير. 

والجائحة كانت الفرصة السانحة للجهات الأمنية أن تخوض في هذا المضمار، فمثلا الدول التي كانت تدعي بديمقراطيتها واحترام خصوصية شعوبها، هي من كانت السباقة في ذلك التجاوز، وبالتالي كل من تسول له نفسه أن يقوم بنشر ما يخالف احترام المجتمع معرضًا للملاحقة والعقاب، فليس هناك الآن حائلٌ يمنع عن الملاحقة، يكفي أن يسجل بيانات الجهاز المعرفة من قبل المصنع أو حتى عنوان الشبكة المتصل منه و الخاص بالجهاز فيتم تتبعه وملاحقته بكل سهولة، والحصول على هذه البيانات أصبح من السهولة بمكان، مما يمكن أي جهة أمنية وفي أي دولة أن تتصفح جهازك وبكل مرونة كما تتصفحه أنت طالما أنك على تواصل معهم من خلال برامجهم المحمولة وبموافقتك أنت.

قد يكون ذلك تجاوزًا من وجهة نظر المجتمع ولكن للضرورة أحكام من وجهة النظرة الأمنية، وخاصة عندما يكون الأمر يمس الأمن القومي، فتُقدم مصلحة الجمع على الفرد. وهذا الموضوع لازال في شد وجذب بين داهليز المحاكم الأمريكية مع القطاعات الخاصة التي تمتلك كمًا هائلًا من المعلومات ليس فقط على قطرٍ واحد بل شمل كل كوب الأرض، فمثلًا شركة فيس بوك تم استدعاءها أكثر من مرة لذات الموضوع وأُخضع مديرها مارك زكربرك في استجواب مطول أمام مسؤولين من مجلس الشيوخ للوصول إلى اطناب الحقيقة. 

على وجه العموم أن فوائد التحول الرقمي تزيد بمراحل عن أضرارها التي قد تكون لا تذكر إذا ما تم مقارنتها. ولو تفحصنا أكثر لو جدنا برنامج "توكلنا" كان له الأثر الأكبر في الحد من انتشار فيروس كورونا، بل أنه غدا محفظة تحمل كل الأوراق الرسمية إلكترونيًا، من هوية ورخصة قيادة وغيرها من الأوراق ذات العلاقة، فضلًا عن أنه غدا أحد أهم أدوات التواصل بين الجهات ذات الصلة مع الشعب.

 

 بقلم : عثمان الأهدل