|

العلاقة الطردية بين الحب الحقيقي والزيجة السعيدة.

الكاتب : الحدث 2022-02-04 06:29:20

 بقلم ـ أحمد بن قروش


يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”؛ وهذه الآية فيها دلالة واضحة على أهمية الزواج أولاً وثانياً على أثره المعنوي والنفسي الإيجابي عند المعنيين به ثم ثالثاً فيها أيضاً دلالة على كيفية زرع عامليّ المودة والألفة بين الزوجين أو ما أُسميه أنا بتبادل (الحب الحقيقي) بين الشريكين حتى يتحقق الهدف الرئيس من الزواج وهو تنفيذ الغاية الربّانية التي تشير إلى أن الزواج في حقيقة أمره هو في معظم جوانبه عبارة عن عبادة شرعية يتقرب بها طرفيّ الزيجة إلى الله من خلال حفاظهما على استقامة تفريغ الشحنة العاطفية والجنسية التي أوجدها الله عند كليهما في إطار شرعي وإنساني نبيل ومقبول يحفظ لعلاقتهما صيرورتها واستدامتها وكذلك يحفظ لها كرامتها وعلاقتها بالمبادئ الشرعية السامية التي سنّها الله سبحانه وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا التمهيد أعلاه يؤسس للمفهوم الأدبي والروحاني من شرع الزواج والذي يجب أن يعيه الجميع وأخصّ بالذكر المقبلين على الزواج من الذكور والإناث.
 
لقد أثبتت تجارب الحياة أن معظم الزيجات الفاشلة هي تلك التي يكون محورها الرئيس المظهر الخارجي ويكون هو العامل الوحيد الذي يبني عليه الباحث أو الباحثة عن شريك الحياة قرار الارتباط من عدمه حيث تثبت معظم تجارب الزيجات الفاشلة أن الشاب الذي يبحث فقط عن شبيهه ل (باربي) يقع في فخ التطلعات التي غالباً ما يُكذّبها الواقع بعد إتمام الزواج تماماً كحال الفتاة التي تبحث عن شبيه ل (مهند) فتقع بسهولة في فخ المقارنات المثالية الخالية من أية حقائق ملموسة يُمكن الإعتماد على نجاعتها والوثوق في فعاليتها وهذا الواقع يُبرهن على أمر في غاية الأهمية يتمثل في التجاهل التام من كلا الطرفين لعوامل أخرى أكثر أهمية من عامل المظهر الخارجي على أهميته والتي غالباً ما تكون هي الفيصل الذي بيده تقرير مصير استمرار الزواج من عدمه وتحديد مدى إمكانية نجاحه من فشله.
 
وفي هذا الصدد نجد توجيه نبوي محدد يؤكد لنا أنه متى ما تم أمتثالنا له فإن حتمية نجاح الزواج في معظم الزيجات تكون شبه مضمونة وهذا التوجيه النبوي نجده في قول للرسول صلى الله عليه وسلم يوضح فيه ما هي العوامل التي يتم بناءً عليها اختيار زوج أو زوجة المستقبل وإن كان في مظهره يخاطب الشاب فقط إلا أنه أيضاً يضع قواعد عامة تمنح الفتاة أيضاً أهمية الأخذ بنفس الصفات كمعايير تستند عليها عند إتخاذها قرار القبول أو الرفض للشاب المتقدم لها وهذا التوجيه النبوي يقول: “تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك” ويلاحظ في هذا الحديث النبوي أن الشرع لا يغفل أهمية الجمال الخلقي ولكنه يضيف الجمال الخُلقي والديني وجعله الركن الأساس عند إتخاذ قرار الارتباط والذي متى ما تم أعتماده فإن من شأنه في الغالب توفير عامليّ المودة والألفة أو الحب الحقيقي كما أُسميه بين الشريكين ما يضمن إلى حدٍ كبير استمرار أغلب الزيجات.

وعوداً على بدء فإن ما أسميته أنا بالحب الحقيقي لا يمكن له أن يُتبادل إلا إذا توفرت أرضية صلبة قوامها عدم رفع سقف المواصفات المطلوبة في شريك الحياة مهما بدا ذلك مقنعاً وضرورياً عند الشخص وهنا أنا لا أطالب بخفضه لحد القبول بأي شخص وإنما ما أقوله فقط هو أن علينا أن نعتمد قاعدة “لا إفراط ولا تفريط” فخير الأمور أوسطها كما يُقال فالتتازلات مطلوبة من قبل  الطرفين ولكن ليس إلى حد التخلي التام عن إعمال العقل والركون فقط للعاطفة وفي نفس الوقت ينبغي على الطرفين عدم رسم صورة وردية عن شريك العمر؛ صورة لا تتوفر إلا في الملائكة وهو ما تسبب في عزوف الكثير من الشباب والفتيات حتى من الشروع في الزواج أو الإقدام عليه.

أُضيف أخيراً حقيقة أراها ثابتة في موضوع الزواج وديمومته وهي أن مشروع الزواج في معظم شؤونه وخاصة قضية استمراره في جوّ صحي ومُرضي للطرفين يعتمد على أمر قد يعارضه البعض ولكنه عندي أمر واقعي تؤكده مجريات الكثير من التجارب الزوجية وهذا الأمر هو “الحظ” أو كما يُقال “القسمة والنصيب” ما يعني بأنك قد تتخذ كافة الاحترازات والحرص عند الأختيار سواءً كنت شاب أو فتاة ومع ذلك لا ينجح الزواج لذا فإن كل ما يمكننا فعله في هذا الجانب هو فقط أن نأخذ بالأسباب التي سبق الإشارة إليها والعمل على مراعاتها قبل وبعد الزواج والإبتهال إلى الله في السياق ذاته أن يجعل الخيرة فيما يختاره لنا.