ومضات إدارية (٨) تلميع أحذية المدراء
أختتم اليوم سلسلة مقالات "ومضات إدارية"، والتي طرحتها على صحيفتنا الغراء "الحدث"، عددت فيها مجموعة من تجاربي الشخصية وخبراتي العلمية وممارستي العملية في مجال الإدارة والقيادة المبنية على دراسة أكاديمية في مجال العلوم الإدارية المختلفة، وأستعرض في مقالة اليوم مجموعة من التجارب الشخصية والممارسات العملية والحكم الإدارية التي خرجت بها من ميدان العمل الإداري على مدى ثلاثين عامًا، أسردها عليكم في هيئة ومضات:
- ذكر د. غازي القصيبي رحمه الله في كتابه حياة في الإدارة: "أن على الإداري الكبير أن يرتب الأولويات فيبدأ بتحفيز الآخرين عن طريق الحب والاحترام، أن تحبهم فتجعلهم يحترمونك، وسوف تجد كل رغباتك قد تحققت، عندما يتعذر الوصول إلى الهدف عن هذا الطريق لك أن تلجأ إلى الإغراء بالثواب، عندما يفشل هذا المسعى وعندها فقط لك أن تلجأ إلى آخر العلاج العقاب أو التلويح به"، ويؤمن الدكتور غازي رحمه الله بأنه من الخطأ الفادح استخدام القائد الأسلوب العنيف في سبيل الوصول إلى أهدافه إذا كان بوسعه استخدام الرقة تمشيًا مع الحكمة النبوية الرائعة التي تقول: "إن الرفق ما دخل شيئًا إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه"، كما أن القائد الذي يجبن عن استخدام الشدة حين لا يكون هناك بديل هو إنسان لا يستحق أن يوضع في موضع القيادة فشعرة معاوية الإدارية التي تشد وترخى هي التي تشكل الفرق.
- يقول ستيف جوبز رجل الأعمال والمخترع ومؤسس شركة آبل: "من غير المنطقي أن توظف الاذكياء ثم تخبرهم بما عليهم أن يفعلوا، نحن نوظف الأذكياء لكي يخبرونا بما علينا أن نفعله"، ولكن في واقعنا الإداري من يفعل عكس ذلك، حيث يتدخل بعض المدراء في الإدارات العليا والوسطى في تفاصيل الأعمال والمهام اليومية للموظفين، ويظن بعض المسؤولين أنه بمجرد تبوئهم كرسي الإدارة بأن لديهم من الذكاء والخبرة والمهارات ما يكفي للقيام بجميع مهامهم دون الاستعانة بقدرات وإمكانيات الموظفين.
- هناك من سيرفض العمل بمهنة تلميع الأحذية لكنه يمتهن دور تلميع أشخاص لا يساوي قدرهم قدر حذاء، يقول أحدهم: "أنا لست آسفًا على أي شيء في حياتي غير أسفي لنفسي عندما أعليت من أقدار أشخاص مستواهم لا يتجاوز ارتفاع حذائي"، موجعة تلك العبارة ولكنها حقيقة، فكم انخدعنا في حياتنا العملية بكثيرٍ من الزملاء.
- من أعجب الناس وأغرب الموظفين الذين رأيتهم في حياتي أُناس تضيق صدورهم وتنشغل عقولهم بنجاح وتميز غيرهم من الناس، أكثر من ضيق أحدهم وتألمه من فشله وعدم تحقيقه لذاته.
- الأمان أو الأمن الوظيفي مصطلح يتم تداوله في علم الإدارة وعالم الأعمال، ونظرًا لسياسات وممارسات أغلب شركات القطاع الخاص السلبية، يفضل السواد الأعظم من الشباب العمل في القطاع الحكومي لتوفر الاستمرارية في الوظيفة والاستقرار بعيدًا عن القلق والخوف من الفصل وقصر الإجازات، وجائحة كورونا أثبتت دقة وصحة المصطلح عندما سرحت كثير من الشركات عدد من موظيفها.
- همسة في أذن كل مسؤول وليَّ أمر من أمور المواطنين: إنك لا تحتاج لأن تكون مريضًا لتحس بألمهم ولا فقيرًا لتشعر بجوعهم ولا مديونًا لتعيش ذلهم ولا مستأجرًا مسكنك لتتجرع غربتهم ولا عاطلًا لتلمس عجزهم، فقط تحتاج لأن تكون إنسانًا، فأفظع وأفزع إحساس في الكون هو أن يشعر المواطن بغربة في بلده وشغله الشاغل مسكنه ومأكله.
- إن كنت تملك شخصية قوية في العمل قالوا عنك مغرورٌ ومتكبر، وإن كانت شخصيتك بسيطة سهلة قالوا عنك ضعيف لا يمكن الوثوق به ولن يقال عنك متواضع نقي، إذًا من الحكمة ألا تلتفت إلى ما يقال عنك في غيابك أو في حضورك، ولا تتصنع القوة ولا البساطة لأنك لن ترضي الجميع، فقط كن أنت.
- مهما حاز الموظف في مختلف المستويات الإدارية وشتى المجالات من شهادات دراسية واكتسب من مهارات إبداعية وتميز بكفايات شخصية وملك سنوات خبرة نوعية، دون منحه صلاحيات كافية لأداء عمله على أتم وجه فلا قيمة لكل تلك الخصائص والمميزات، ومن تقليعات الإدارة المستحدثة أن الصلاحيات تنتزع ولا تمنح.
- الجمعية السعودية للإدارة (SMA) مقرها الرياض وأنشئت في ١٤٠٠/٧/١٧هـ، تهدف لتنمية الفكر العلمي في مجال الإدارة، وتعني بالتنظيم الإداري وتهيئة البحوث والكتب العلمية، وطباعة الكتب المتخصصة في العلوم الإدارية، وتصدر مجلة دورية باسم (أفاق الإدارة)، كما تنظم المؤتمرات والندوات وورش العمل والمخيمات الإدارية، وتعمل الجمعية على تقديم المشورة وإجراء الدراسات اللازمة لرفع مستوى الأداء الإداري في المؤسسات والهيئات، وتقوم بالمساهمة في تنمية المهارات الإدارية والقيادية للمديرين والإعداد الإداري لشاغلي الوظائف الإدارية، وتقيم الجمعية دورات تدريبية وورش عمل متخصصة وتعقد الملتقيات والندوات والمحاضرات المتخصصة.
- لا تختل بمنصب أو وظيفة وكن دومًا متواضعًا فما وصلت له اليوم سبقك إليه الملايين، وما تعتقد أنه قمة الإنجاز والطموح قد تعفف عنه الملايين، وماتراه أنت هدفًا وغاية غيرك قد لا يراه كذلك فكلٌ له أهدافه وغاياته، وإن نجحت في مجال أو فرع في الحياة كما تعتقد أنت فقط فغيرك أيضًا نجح وتفوق وسبقك في فروع ومجالات أخرى، كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يكتب ذات ليلة شيئًا ما وعنده ضيف فكاد السراج ينطفئ، فقال الضيف: هل أقوم إلى المصباح فاصلحه؟ فقال له عمر: لا ليس من الكرم استخدام الضيف، فقال الضيف: هل أنبه الغلام؟ قال عمر: لا هي أول نومة نامها، فقام عمر ووضع زيت في المصباح، فقال الضيف: كيف قمت بنفسك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: ذهبت وأنا عمر وعدت وأنا عمر، فاعلم أنه ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
وإذا شئتَ أن تزداد قدرًا ورفعةً
فلن وتواضع واترك الكبر والعجبا
المستشار عضو الجمعية السعودية للإدارة والكاتب في صحيفة الحدث
محمد بن سعيد آل درمة