|

الابتكارات وأثرها

الكاتب : الحدث 2024-03-18 06:59:28

بقلم✍️ عثمان الأهدل ..

الابتكار هو الخروج عن المألوف إلى مستوى يقلب موازين الرتابة والتقليد، وهو في حقيقة الأمر يلازمنا في حياتنا دون أن ندرك، ولكنه يبرز عندما تكون الحاجة ملحة له لحل موضوع ما تمس حياة المجتمع. 
سألوا أحد ملاك شركات عالمية عن كفاءة من يريد تعيينه إذا رغب أن يوظف ، فقال؛ "اُفضل الكسول الذكي عن النشيط"، معللًا بأن هذا الكسول سيبتكر أساليب توفر له عناء الجهد والتعب لتنفيذ مهامه، يعني جهد أقل وإنتاجية أوفر؛ ولهذا نجد بين فترة وأخرى أساليب ومقايس جديدة تُحدث طفرة على جودة الحياة نتيجة البحث عن الدّعة، أو البقاء في القمة. 
من منا لا يتذكر شركة نوكيا التي هيمنت على سوق الجوالات في مرحلةٍ ما، وفجأة دون سابق أنظار انسحب البساط من تحت قدميها إزاء ابتكار شركة أبل لجهازها الآي فون الذي قلب موازين الهواتف المحمولة، فالوصول للقمة أمرًا سهلًا ولكن المحافظة على البقاء في القمة هي مرحلةٌ أصعب، وهذا يدل على أن جعبة شركة نوكيا الابتكارية قد نفدت ولم تبقَ صالحة بما فيه الكفاية لخوض غمار المنافسة والبقاء في القمة.
والابتكار ليس حِكرًا على مجالٍ ما، بل أنه يشمل جميع مناشط الحياة بغض النظر عن طبيعتها. وهنا جاءت الحاجة في إقحام الابتكار في الجهات الخدمية والرسمية، ولا سيما الجهات الأمنية والرقابية التي دائما تتطور معها أدوات الجريمة وكأنها فايروسات تتشكل على حسب المقاومة، فكانت حاجة الابتكار لها ضرورة من ضروريات الاستدامة في أداء مهامها بكفاءة ، وقد أولت هيئة الحكومة الرقمية بالسعودية اهتمامًا بالغًا بخصوص الابتكار وجعلت له منظارًا خاصًا تقيس به مدى اهتمام الجهات الرسمية في أجهزة الدولة، هادفةً من ذلك خلق توازن بين جودة خدمات أجهزة الدولة والحفاظ على مكتسباتها وتحسينها. 
وخصوصًا أن الاقتصاد لا ينمو في ظل اضطرابات أمنية أو فساد إداري، وكثيرًا ما أنوه على أن رجال الأعمال يجب أن يكون لديهم دراية كافية عن السياسة بالقدر الذي يجعلهم يحافظون على استثماراتهم، فكلما كانت بيئة عمل الحكومة وأجهزتها شفافة وتعمل على تحسين خدماتها، انتعشت الأعمال في أسواقها ، وهذا لا يتأتى إلا في بيئة تتبنى فيها الابتكار، بل وتشجع في تبنيه على المستويين الفردي والجمعي، وذلك ببث ثقافة الابتكار بين الموظفين وحتى بين عوام الشعب. وحبذ لو أن الابتكار تم إدراجه ضمن المناهج الدراسية.
ومجال الابتكار في حد ذاته أصبح له منهجًا عالميًا حتى يكون فعّالًا وذو أثرٍ مجدي، فأولى أولوياته هو الاستدامة وفتح مجال لكل فرد إظهار إبداعاته وخصوصا عندما ينشأ من رحم المعاناة، فالحاجة أم الاختراع. والنهج الثاني هو توثيق الابتكار ولا سيما أن الابتكار له مراحله حتى يتم تطبيقه ولا يبقى حبيس الأدراج، بل يُؤسس له بنك للأفكار قابلة لتتحول إلى منتجات ذات قيمة، وهذا البنك هو  عبارة عن سجل يستقبل كل الأفكار مهما كانت حتى وإن غدت أفكار تافهة، فلعلها قد تكون ذات فائدة، وإذا لزم الأمر يتم شرائها ويدفع عليها تشجيعًا لمزيد من الابتكارات.
حتى أن بنك الأفكار له منهجه الخاص ليغدو وجوده ذو فائدة، يبدأ من مرحلة التوثيق والفرز وعمل دراسة جدوى كاملة حول كل فكرة، حيث يتم التعامل مع كل واحدة وكأنها مشروع يبدأ بتحديد الأطراف ذات العلاقة المعنيين في تطبيقها وإقحامهم في مراحل تطويرها حتى تخرج كمنتج صالح للاستخدام. 
الابتكار هو جزءٌ لا يتجزء من حياتنا شئنا أم أبينا، ولكن يتراوح بروزه وتميز أصحابه حسب نطاق ومدى فائدته، كلما كانت فائدته لشريحة أكبر، كلما كان أكثر تميزًا وسمعة.
وأكبر البنوك للأفكار هو عقل الإنسان الذي لا يتوقف عن التفكير، لو أن كل الأفكار التي تطرأ على مخيلتنا يتم تدوينها ومن ثم دراستها لتغيرت حياتنا للأفضل، ولكن وساوس إبليس اللعين تجعلنا نتراجع ونتخاذل، فهو من نصب نفسه عدوًا لنا أمام الله وتعهد بأن يضلنا عن طريق الحياة التي فطرها الله لنا، و للتخلص من هذا اللعين علينا التمسك بحبل الله والعض عليه بالنواجذ، وأن نكرم أنفسنا بابتكارات ونضع عليها علامة صنع في بلدي.